وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب: هو مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب كانوا يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال لتحصيل الشهادة (فافسحوا يفسح الله لكم) أي فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة، أو في كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق وغيرهما. قرأ الجمهور " تفسحوا في المجلس " وقرأ السلمي وزر بن حبيش وعاصم " في المجالس " على الجمع، لأن لكل واحد منهم مجلسا، وقرأ قتادة والحسن وداود ابن أبي هند وعيسى بن عمر " تفاسحوا " قال الواحدي: والوجه التوحيد في المجلس، لأنه يعني به مجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقال القرطبي: الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب، أو ذكر، أو يوم الجمعة، وأن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه، ويؤيد هذا حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا " (وإذا قيل انشزوا فانشزوا) قرأ الجمهور بكسر الشين فيها، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضمها فيهما، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال نشز: أي ارتفع ينشز وينشز كعكف يعكف ويعكف، والمعنى: إذا قيل لكم انهضوا فانهضوا.
قال جمهور المفسرين: أي انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير. وقال مجاهد والضحاك وعكرمة: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة، فقيل لهم إذا نودي للصلاة فانهضوا. وقال الحسن: انهضوا إلى الحرب. وقال ابن زيد:
هذا في بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال الله تعالى (وإذا قيل انشزوا) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (فانشزوا) فإن له حوائج فلا تمكثوا. وقال قتادة: المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف، والظاهر حمل الآية على العموم، والمعنى: إذا قيل لكم انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية فانهضوا ولا تتثاقلوا ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصا، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق، ويندرج ما هو سبب النزول فيها اندراجا أوليا، وهكذا يندرج ما فيه السياق وهو التفسيح في المجلس اندراجا أوليا، وقد قدمنا أن معنى نشز ارتفع، وهكذا يقال نشز ينشز: إذا تنحى عن موضعه، ومنه امرأة ناشز: أي متنحية عن زوجها، وأصله مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى، ذكر معناه النحاس (يرفع الله الذين آمنوا منكم) في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما (والذين أوتوا العلم درجات) أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة، ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات، فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات، وقيل المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك الذين أوتوا العلم، وقيل المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرءوا القرآن. والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة، ولا دليل يدل على تخصيص الآية بالبعض دون البعض، وفي هذه الآية فضيلة عظيمة للعلم وأهله، وقد دل على فضله وفضلهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية (والله بما تعملون خبير) لا يخفى عليه شئ من أعمالكم من خير وشر، فهو مجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا (يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة) المناجاة المساررة، والمعنى:
إذا أردتم مساررة الرسول في أمر من أموركم فقدموا بين يدي مساررتكم له صدقة. قال الحسن: نزلت بسبب أن قوما من المسلمين كانوا يستخلون النبي صلى الله عليه وآله وسلم يناجونه، فظن بهم قوم من المسلمين أنهم ينتقصونهم في النجوى، فشق عليهم ذلك. فأمرهم الله بالصدقة عند النجوى لتقطعهم عن استخلائه. وقال زيد