في محل نصب على الحال، والمعنى: أن عقد الميثاق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كعقده مع الله سبحانه من غير تفاوت. وقال الكلبي: المعنى إن نعمة الله عليهم في الهداية فوق ما صنعوا من البيعة. وقيل يده في الثواب فوق أيديهم في الوفاء. وقال ابن كيسان: قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) أي فمن نقض ما عقد من البيعة فإنما ينقض على نفسه، لأن ضرر ذلك راجع إليه لا يجوزوه إلى غيره (ومن أوفى بما عاهد عليه الله) أي يثبت على الوفاء بما عاهد الله عليه في البيعة لرسوله. قرأ الجمهور " عليه " بكسر الهاء وقرأ حفص والزهري بضم هاء (فسيؤتيه أجرا عظيما) وهو الجنة. قرأ الجمهور " فسيؤتيه " بالتحتية وقرأ نافع وقرأ كثير وابن عامر بالنون، واختار القراءة الأولى أبو عبيد وأبو حاتم واختار القراءة الثانية الفراء (سيقول لك المخلفون من الأعراب) هم الذين خلفهم الله عن صحبة رسوله حين خرج عام الحديبية. قال مجاهد وغيره: يعنى أعراب غفار ومزينة وجهينة وأسلم وأشجع والدئل، وهم الأعراب الذين كانوا حول المدينة. وقيل تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سافر إلى مكة عام الفتح بعد أن كان قد استنفرهم ليخرجوا معه، والمخلف المتروك (شغلتنا أموالنا وأهلونا) أي منعنا عن الخروج معك ما لنا من الأموال والنساء والذراري وليس لنا من يقوم بهم ويخلفنا عليهم (فاستغفر لنا) ليغفر الله لنا ما وقع منا من التخلف عنك بهذا السبب، ولما كان طلب الاستغفار منهم ليس عن اعتقاد بل على طريقة الاستهزاء، وكانت بواطنهم مخالفة لظواهرهم فضحهم الله سبحانه بقوله (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) وهذا هو صنيع المنافقين والجملة مستأنفة لبيان ما تنطوي عليه بواطنهم ويجوز أن تكون بدلا من الجملة الأولى. ثم أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيب عنهم فقال (قل فمن يملك لكم من الله شيئا) أي فمن يمنعكم مما أراده الله بكم من خير وشر، ثم بين ذلك فقال (إن أراد بكم ضرا) أي إنزال ما يضركم من ضياع الأموال وهلاك الأهل. قرأ الجمهور " ضرا " بفتح الضاد وهو مصدر ضررته ضرا. وقرأ حمزة والكسائي بضمها وهو اسم ما يضر، وقيل هما لغتان (أو أراد بكم نفعا) أي نصرا وغنيمة، وهذا رد عليهم حين ظنوا أن التخلف عن رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم يدفع عنه الضر ويجلب لهم النفع، ثم أضرب سبحانه عن ذلك وقال (بل كان الله بما تعملون خبيرا) أي إن تخلفكم ليس لما زعمتم، بل كان الله خبيرا بجميع ما تعملونه من الأعمال التي من جملتها تخلفكم، وقد علم أن تخلفكم لم يكن لذلك، بل للشك والنفاق وما خطر لكم من الظنون الفاسدة الناشئة عن عدم الثقة بالله، ولهذا قال (بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا) وهذه الجملة مفسرة لقوله (بل كان الله بما تعملون خبيرا) لما فيها من الإبهام: أي بل ظننتم أن العدو يستأصل المؤمنين بالمرة فلا يرجع منهم أحد إلى أهله، فلأجل ذلك تخلفتم لا لما ذكرتم من المعاذير الباطلة (وزين ذلك في قلوبكم) أي وزين الشيطان ذلك الظن في قلوبكم فقبلتموه. قرأ الجمهور " وزين " مبنيا للمفعول، وقرئ مبنيا للفاعل (وظننتم ظن السوء) أن الله سبحانه لا ينصر رسوله، وهذا الظن إما هو الظن الأول، والتكرير للتأكيد والتوبيخ، والمراد به ما هو أعم من الأول، فيدخل الظن الأول تحته دخولا أوليا (وكنتم قوما بورا) أي هلكى قال الزجاج: هالكين عند الله، وكذا قال مجاهد: قال الجوهري: البور الرجل الفاسد الهالك الذي لا خير فيه قال أبو عبيد (قوما بورا) هلكى، وهو جمع بائر، مثل حائل وحول، وقد بار فلان: أي هلك، وأباره الله أهلكه (ومن لم يؤمن بالله ورسوله فإنا أعتدنا للكافرين سعيرا) هذا الكلام مستأنف من جهة الله سبحانه غير داخل تحت ما أمر الله سبحانه رسوله أن يقوله: أي ومن لم يؤمن بهما كما صنع هؤلاء المخلفون، فجزاؤهم ما أعده الله لهم من عذاب السعير (ولله ملك السماوات والأرض) يتصرف فيه كيف يشاء لا يحتاج إلى أحد من خلقه، وإنما
(٤٨)