فلا يشتغلوا بغير ما خلقوا له من العبادة (ذو القوة المتين) ارتفاع المتين على أنه وصف للرزاق، أو لذو، أو خبر مبتدأ محذوف، أو خبر بعد خبر. قرأ الجمهور " الرزاق " وقرأ ابن محيصن " الرازق " وقرأ الجمهور " المتين " بالرفع، وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش بالجر صفة للقوة، والتذكير لكون تأنيثها غير حقيقي. قال الفراء: كان حقه المتينة، فذكرها لأنه ذهب بها إلى الشئ المبرم المحكم الفتل، يقال حبل متين: أي محكم الفتل، ومعنى المتين: الشديد القوة هنا (فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم) أي ظلموا أنفسهم بالكفر والمعاصي، فإن لهم ذنوبا: أي نصيبا من العذاب مثل نصيب الكفار من الأمم السابقة. قال ابن الأعرابي: يقال يوم ذنوب: أي طويل الشر لا ينقضي، وأصل الذنوب في اللغة الدلو العظيمة، ومن استعمال الذنوب في النصيب من الشئ قول الشاعر:
لعمرك والمنايا طارقات * لكل بني أب منها ذنوب وما في الآية مأخوذ من مقاسمة السقاة الماء بالدلو الكبير، فهو تمثيل، جعل الذنوب. مكان الحظ والنصيب قاله ابن قتيبة (فلا يستعجلون) أي لا يطلبوا مني أن أعجل لهم العذاب كما في قولهم - أئتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين - (فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون) قيل هو يوم القيامة وقيل يوم بدر، والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر في قوله (فتولى بركنه) عن ابن عباس قال: بقومه. وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه في قوله (الريح العقيم) قال: الشديدة التي لا تلقح شيئا.
وأخرج ابن جرير عنه أيضا قال: لا تلقح الشجر ولا تثير السحاب، وفي قوله (إلا جعلته كالرميم) قال:
كالشئ الهالك. وأخرج الفريابي وابن المنذر عن علي بن أبي طالب قال: الريح العقيم النكباء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله (والسماء بنيناها بأيد) قال:
بقوة. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر عنه في قوله (فتول عنهم فما أنت بملوم) قال: أمره الله أن يتولى عنهم ليعذبهم، وعذر محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قال (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين) فنسخها.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) قال: ليقروا بالعبودية طوعا أو كرها. وأخرج ابن المنذر عنه في الآية قال: على ما خلقتهم عليه من طاعتي ومعصيتي وشقوتي وسعادتي.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عنه أيضا في قوله (المتين) يقول: الشديد.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (ذنوبا) قال: دلوا.
تفسير سورة الطور هي تسع وأربعون آية، وقيل ثمان وأربعون وهي مكية. قال القرطبي: في قول الجميع. وأخرج ابن الضريس والنحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: نزلت الطور بمكة. وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ في المغرب بالطور. وأخرج البخاري وغيره عن أم سلمة " أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي إلى جنب البيت بالطور وكتاب مسطور ".