(وماء مسكوب) أي منصب يجري بالليل والنهار أينما شاءوا لا ينقطع عنهم، فهو مسكوب يسكبه الله في مجاريه، وأصل السكب الصب، يقال سكبه سكبا: أي صبه (وفاكهة كثيرة) أي ألوان متنوعة متكثرة (لا مقطوعة) في وقت من الأوقات كما تنقطع فواكه الدنيا في بعض الأوقات (ولا ممنوعة) أي لا تمتنع على من أرادها في أي وقت على أي صفة، بل هي معدة لمن أرادها لا يحول بينه وبينها حائل. قال ابن قتيبة: يعني أنها غير محظورة عليها كما يحظر على بساتين الدنيا (وفرش مرفوعة) أي مرفوع بعضها فوق بعض، أو مرفوعة على الأسرة. وقيل إن الفرش هنا كناية عن النساء اللواتي في الجنة، وارتفاعها كونها على الأرائك، أو كونها مرتفعات الأقدار في الحسن والكمال (إنا أنشأناهن إنشاء) أي خلقناهن خلقا جديدا من غير توالد، وقيل المراد نساء بني آدم، والمعنى: أن الله سبحانه أعادهن بعد الموت إلى حال الشباب، والنساء وإن لم يتقدم لهن ذكر لكنهن قد دخلن في أصحاب اليمين، وأما على قول من قال: إن الفرش المرفوعة عين النساء فمرجع الضمير ظاهر (فجعلناهن أبكارا) - لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان - (عربا أترابا) العرب جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها. قال المبرد: هي العاشقة لزوجها، ومنه قول لبيد:
وفي الخباء عروب غير فاحشة * ريا الروادف يعشي ضوؤها البصرا وقال زيد بن أسلم: هي الحسنة الكلام. قرأ الجمهور بضم العين والراء. وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بإسكان الراء وهما لغتان في جمع فعول، والأتراب: هن اللواتي على ميلاد واحد وسن واحد. وقال مجاهد: أترابا أمثالا وأشكالا. وقال السدي: أترابا في الأخلاق لا تباغض بينهن ولا تحاسد. قوله (لأصحاب اليمين) متعلق بأنشأناهن أو بجعلنا أو بأترابا، والمعنى: أن الله أنشأهن لأجلهم أو خلقهن لأجلهم أو هن مساويات لأصحاب اليمين في السن، أو هو خبر لمبتدأ محذوف: أي هن لأصحاب اليمين (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين) هذا راجع إلى قوله (وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين) أي هم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، وقد تقدم تفسير الثلة عند ذكر السابقين، والمعنى: أنهم جماعة أو أمة أو فرقة أو قطعة من الأولين، وهم من لدن آدم إلى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، وجماعة أو أمة أو فرقة قطعة من الآخرين وهم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقال أبو العالية ومجاهد وعطاء بن أبي رباح والضحاك: ثلة من الأولين. يعني من سابقي هذه الأمة، وثلة من الآخرين من هذه الأمة من آخرها، ثم لما فرغ سبحانه مما أعده لأصحاب اليمين شرع في ذكر أصحاب الشمال وما أعده لهم فقال (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال) الكلام في إعراب هذا وما فيه من التفخيم كما سبق في أصحاب اليمين، وقوله (في سموم وحميم) إما خبر ثان لأصحاب الشمال أو خبر مبتدإ محذوف، والسموم: حر النار، والحميم: الماء الحار الشديد الحرارة، وقد سبق بيان معناه. وقيل السموم: الريح الحارة التي تدخل في مسام البدن (وظل من يحموم) اليحموم يفعول من الأحم: وهو الأسود، والعرب تقول أسود يحموم: إذا كان شديد السواد، والمعني: أنهم يفزعون إلى الظل فيجدونه ظلا من دخان جهنم شديد السواد. وقيل وهو مأخوذ من الحم وهو الشحم المسود باحتراق النار. وقيل مأخوذ من الحمم وهو الفحم. قال الضحاك: النار سوداء وأهلها سود وكل ما فيها أسود.
ثم وصف هذا الظل بقوله (لا بارد ولا كريم) أي ليس كغيره من الظلال التي تكون باردة، بل هو حار لأنه من دخان نار جهنم. قال سعيد بن المسيب: ولا كريم: أي ليس فيه حسن منظر وكل مالا خير فيه فليس بكريم وقال الضحاك: ولا كريم ولا عذب. قال الفراء: العرب تجعل الكريم تابعا لكل شئ نفت عنه وصفا تنوي