الآن يجد له شهابا رصدا - فباب الكهانة في الوقت الذي كانت فيه مخصوص بأدلته، فهو من جملة ما يخصص به هذا العموم، فلا يرد ما زعمه من إيراد الكهانة على هذه الآية. وأما حديث المرأة الذي أورده فحديث خرافة، ولو سلم وقوع شئ مما حكاه عنها من الأخبار لكان من باب ما ورد في الحديث " إن في هذه الأمة محدثين وإن منهم عمر " فيكون كالتخصيص لعموم هذه الآية لا انقضاء لها، وأما ما اجترأ به على الله وعلى كتابه من قوله في آخر كلامه. فلو قلنا إن القرآن يدل على خلاف هذه الأمور المحسوسة لتطرق الطعن إلى القرآن، فيقال له ما هذه بأول زلة من زلاتك، وسقطة من سقطاتك، وكم لها لديك من أشباه ونظائر نبض بها عرق فلسفتك، وركض بها الشيطان الذي صار يتخبطك في مباحث تفسيرك، يا عجبا لك أن يكون ما بلغك من خبر هذه المرأة ونحوه موجبا لتطرق الطعن إلى القرآن، وما أحسن ما قاله بعض أدباء عصرنا:
وإذا رامت الذبابة للشمس * غطاء مدت عليها جناحا وقلت من أبيات:
مهب رياح سدة بجناح * وقابل بالمصباح ضوء صباح فإن قلت: إذن قد تقرر بهذا الدليل القرآني أن الله يظهر من ارتضى من رسله على ما شاء من غيبه، فهل للرسول الذي أظهره الله على ما شاء من غيبه أن يخبر به بعض أمته؟ قلت: نعم ولا مانع من ذلك. وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من هذا ما لا يخفى على عارف بالسنة المطهرة، فمن ذلك ما صح أنه قام مقاما أخبر فيه بما سيكون إلى يوم القيامة، وما ترك شيئا مما يتعلق بالفتن ونحوها، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه وكذلك ما ثبت من أن حذيفة بن اليمان كان قد أخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يحدث من الفتن بعده " حتى سأله عن ذلك أكابر الصحابة ورجعوا إليه. وثبت في الصحيح وغيره " أن عمر بن الخطاب سأله عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال: إن بينك وبينها بابا، فقال عمر: هل يفتح أو يكسر؟ فقال: بل يكسر، فعلم عمر أنه الباب، وأن كسرة قتله " كما في الحديث الصحيح المعروف أنه قيل لحذيفة: هل كان عمر يعلم ذلك؟
فقال: نعم كان يعلم أن دون غد الليلة. وكذلك ما ثبت من إخباره لأبي ذر بما يحدث له، وإخباره لعلي بن أبي طالب بخبر ذي الثدية، ونحو هذا مما يكثر تعدده ولو جمع لجاء منه مصنف مستقل. وإذا تقرر هذا فلا مانع من أن يختص بعض صلحاء هذه الأمة بشئ من أخبار الغيب التي أظهرها الله لرسوله، وأظهرها رسوله لبعض أمته، وأظهرها هذا البعض من الأمة لمن بعدهم، فتكون كرامات الصالحين من هذا القبيل، والكل من الفيض الرباني بواسطة الجناب النبوي. ثم ذكر سبحانه أنه يحفظ ذلك الغيب الذي يطلع عليه الرسول فقال (فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا) والجملة تقرير للإظهار المستفاد من الاستثناء، والمعنى: أنه يجعل سبحانه بين يدي الرسول ومن خلفه حرسا من الملائكة يحرسونه من تعرض الشياطين لما أظهره عليه من الغيب، أو يجعل بين يدي الوحي وخلفه حرسا من الملائكة يحوطونه من أن تسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكهنة، والمراد من جميع الجوانب.
قال الضحاك: ما بعث الله نبيا إلا ومعه ملائكة يحفظونه من الشياطين أن يتشبهوا بصورة الملك، فإذا جاءه شيطان في صورة الملك قالوا هذا شيطان فاحذره، وإن جاءه الملك قالوا هذا رسول ربك. قال ابن زيد: رصدا:
أي حفظة يحفظون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمامه وورائه من الجن والشياطين. قال قتادة وسعيد بن المسيب: هم أربعة من الملائكة حفظة. وقال الفراء: المراد جبريل. قال في الصحاح: الرصد القوم يرصدون