قوله (ويل للمطففين) ويل مبتدأ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء، ولو نصب لجاز. قال مكي والمختار:
في ويل وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع، ويجوز النصب، فإن كان مضافا أو معزفا كان لاختيار فيه النصب نحو قوله - ويلكم لا تفتروا - وللمطففين خبره، والمطفف المنقص، وحقيقته الأخذ في الكيل أو الوزن شيئا طفيفا:
أي نزرا حقيرا. قال أهل اللغة: المطفف مأخوذ من الطفف، وهو القليل، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن. قال الزجاج: إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشئ اليسير الطفيف. قال أبو عبيدة والمبرد: المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن.
والمراد بالويل هنا شدة العذاب، أو نفس العذاب، أو الشر الشديد، أو هو واد في جهنم. قال الكلبي: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ووزنهم لغيرهم، ويستوفون لأنفسهم، فنزلت هذه الآية. وقال السدى: قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة، وكان بها رجل يقال له أبو جهينة، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر، فأنزل الله هذه الآية. قال الفراء: هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلا إلى يومهم هذا. ثم بين سبحانه المطففين من هم؟ فقال (الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون) إي يستوفون الاكتيال والأخذ بالكيل. قال الفراء: يريد اكتالوا من الناس، وعلى ومن في هذا الموضع يعتقبان، يقال اكتلت منك: أي استوفيت منك، وتقول اكتلت عليك: أي أخذت ما عليك. قال الزجاج: إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل، ولم يذكر اتزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فأحدهما يدل على الآخر.
قال الواحدي: قال المفسرون: يعني الذين إذا اشتروا لأنفسهم استوفوا في الكيل والوزن، وإذا باعوا ووزنوا لغيرهم نقصوا، وهو معنى قوله (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون) أي كالوا لهم أو وزنوا لهم فحذفت اللام فتعدى الفعل إلى المفعول، فهو من باب الحذف والإيصال، ومثله نصحتك ونصحت لك، كذا قال الأخفش والكسائي والفراء. قال الفراء: وسمعت أعرابية تقول: إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكيلفا المد والمدين إلى الموسم المقبل. قال: وهو من كلام أهل الحجاز ومن جاورهم من قيس. قال الزجاج: لا يجوز الوقف على كالوا حتى يوصل بالضمير، ومن الناس من يجعله توكيدا: أي توكيدا للضمير المستكن في الفعل، فيجيز الوقف على كالوا أو وزنوا. قال أبو عبيد: وكان عيسى بن عمر يجعلهما حرفين، ويقف على كالوا أو وزنوا، ثم يقول هم يخسرون. قال: وأحسب قراءة حمزة كذلك. قال أبو عبيد: والاختيار أن يكونا كلمة واحدة من جهتين:
إحداهما الخط، ولذلك كتبوهما بغير ألف، ولو كانتا مقطوعتين لكانتا كالوا أو وزنوا بالألف. والأخرى أنه يقال: كلتك ووزنتك بمعنى: كلت لك ووزنت لك وهو كلام عربي، كما يقال صدتك وصدت لك، وكسبتك وكسبت لك، وشكرتك وشكرت لك ونحو ذلك. وقيل هو على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والمضاف المكيل والموزون: أي وإذا كالوا مكيلهم، أو وزنوا موزونهم، ومعنى يخسرون: ينقصون كقوله - ولا تخسروا الميزان - والعرب تقول: خسرت الميزان وأخسرته: ثم خوفهم سبحانه فقال (ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون) والجملة مستأنفة مسوقة لتهويل ما فعلوه من التطفيف وتفظيعه وللتعجيب من حالهم في الاجتراء عليه، والإشارة بقوله (أولئك) إلى المطففين، والمعنى: أنهم لا يخطرون ببالهم أنهم مبعوثون فمسئولون