موسى (فعصى فرعون الرسول) الذي أرسلناه إليه وكذبه ولم يؤمن بما جاء به، ومحل الكاف النصب على أنها نعت لمصدر محذوف، والمعنى: إنا أرسلنا إليكم رسولا فعصيتموه كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصاه (فأخذناه أخذا وبيلا) أي شديدا ثقيلا غليظا، والمعنى: عاقبنا فرعون عقوبة شديدة غليظة بالغرق، وفيه تخويف لأهل مكة أنه سينزل بهم من العقوبة مثل ما نزل به وإن واختلف نوع العقوبة. قال الزجاج: أي ثقيلا غليظا، ومنه قيل للمطر وابل. وقال الأخفش: شديدا، والمعنى متقارب، ومنه طعام وبيل: إذا كان لا يستمرأ، ومنه قول الخنساء: لقد أكلت بجيلة يوم لاقت * فوارس مالك أكلا وبيلا (فكيف تتقون) أي كيف تقون أنفسكم (إن كفرتم) أي إن بقيتم قوله على كفركم (يوما) أي عذاب يوم (يجعل الولدان شيبا) لشدة هوله: أي يصير الولدان شيوخا، والشيب جمع أشيب، وهذا يجوز أن يكون حقيقة، وأنهم يصيرون كذلك، أو تمثيلا، لأن من شاهد الهول العظيم تقاصرت قواه وضعفت أعضاؤه وصار كالشيخ في الضعف وسقوط القوة، وفي هذا تقريع لهم شديد وتوبيخ عظيم. قال الحسن: أي كيف تتقون يوما يجعل الولدان شيبا إن كفرتم، وكذا قرأ ابن مسعود وعطية، ويوما مفعول به لتتقون. قال ابن الأنباري: ومنهم من نصب اليوم بكفرتم، وهذا قبيح، والولدان الصبيان، ثم زاد في وصف ذلك اليوم بالشدة فقال (السماء منفطر به) أي متشققة به لشدته وعظيم هوله، والجملة صفة أخرى ليوم، والباء سببية، وقيل هي بمعنى في:
أي منفطر فيه، وقيل بمعنى اللام: أي منفطر له، وإنما قال منفطر ولم يقل منفطرة لتنزيل السماء منزلة شئ لكونها قد تغيرت، ولم يبق منها إلا ما يعبر عنه بالشئ. وقال أبو عمرو بن العلاء: لم يقل منفطرة، لأن مجازها السقف، كما قال الشاعر:
فلو رفع السماء إليه قوما * لحقنا بالسماء وبالسحاب فيكون هذا كما في قوله - وجعلنا السماء سقفا محفوظا - وقال الفراء: السماء تذكر وتؤنث. وقال أبو علي الفارسي: هو من باب الجراد المنتشر والشجر الأخضر، و - أعجاز نخل منقعر - قال أيضا: أي السماء ذات انفطار كقولهم امرأة مرضع: أي ذات ارضاع على طريق النسب، وانفطارها لنزول الملائكة كما قال - إذا السماء انفطرت - وقوله - والسماوات يتفطرن من فوقهن - وقيل منفطر به: أي بالله والمراد بأمره، والأول أولى (كان وعده مفعولا) أي كان وعد الله بما وعد به من البعث والحساب وغير ذلك كائنا لا محالة، والمصدر مضاف إلى فاعله، أو وكان وعد اليوم مفعولا، فالمصدر مضاف إلى مفعوله. وقال مقاتل: كان وعده أن يظهر دينه على الدين كله.
وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي ومحمد بن نصر في كتاب الصلاة، والبيهقي في سننه عن سعد بن هشام قال " قلت لعائشة: أنبئيني عن قيام رسول الله، قالت: ألست تقرأ هذه السورة - يا أيها المزمل؟ قلت بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حولا حتى انتفخت أقدامهم، وأمسك الله خاتمتها في السماء اثني عشر شهرا، ثم أنزل التخفيف في آخر هذه السورة، فصار قيام الليل تطوعا من بعد فرضه " وقد روى هذا الحديث عنها من طرق. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحوا من قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها، وكان بين أولها وآخرها نحو