سورة عبس (12 - 42) قوله (عبس وتولى) أي كلح بوجهه وأعرض. وقرئ عبس بالتشديد (أن جاءه الأعمى) مفعول لأجله:
أي لأن جاءه الأعمى، والعامل فيه إما عبس أو تولى على الاختلاف بين البصريين والكوفيين في التنازع هل المختار إعمال الأول أو الثاني؟.
وقد أجمع المفسرون على أن سبب نزول الآية: أن قوما من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت، وسيأتي في آخر البحث بيان هذا إن شاء الله (وما يدريك لعله يزكى) التفت سبحانه إلى خطاب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، لأن المشافهة أدخل في العتاب: أي أي شئ يجعلك داريا بحاله حتى تعرض عنه، وجملة (لعله يزكى) مستأنفة لبيان أن له شأنا ينافي الإعراض عنه: أي لعله يتطهر بالذنوب بالعمل الصالح بسبب ما يتعلمه منك، فالضمير في لعله راجع إلى الأعمى، وقيل هو راجع إلى الكافر: أي وما يدريك أن ما طمعت فيه ممن اشتغلت بالكلام معه عن الأعمى أنه يزكى أو يذكر، والأول أولى. وكلمة الترجي باعتبار من وجه إليه الخطاب للتنبيه على أن الإعراض عنه مع كونه مرجو التزكي مما لا يجوز.
قرأ الجمهور " أن جاءه الأعمى " على الخبر بدون استفهام، ووجهه ما تقدم. وقرأ الحسن " آن جاءه " بالمد على على الاستفهام، فهو على هذه القراءة متعلق بفعل محذوف دل عليه عبس وتولى، والتقدير آن جاءه الأعمى تولى وأعرض، ومثل هذه الآية قوله في سورة الأنعام - ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي - وكذلك قوله في سورة الكهف - ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا - وقوله (أو يذكر) عطف على يزكى داخل معه في حكم الترجي: أي أو يتذكر فيتعظ بما تعلمه من المواعظ (فتنفعه الذكرى) أي الموعظة. قرأ الجمهور " فتنفعه " بالرفع، وقرأ عاصم ابن أبي إسحاق وعيسى والسلمي وزر بن حبيش بالنصب على جواب الترجي (أما من استغنى) أي كان ذا ثروة وغنى، أو استغنى عن الإيمان وعما عندك من العلم (فأنت له تصدى) أي تصغي