قوله (الحاقة) هي القيامة، لأن الأمر يحق فيها، وهي تحق في نفسها من غير شك. قال الأزهري: يقال حاققته فحققته أحقه غالبته فغلبته أغلبه فالقيامة حاقة لأنها تحاق كل محاق في دين الله بالباطل وتخصم كل مخاصم. وقال في الصحاح: حاقه أي خاصمه في صغار الأشياء، ويقال ماله فيها حق ولا حقاق ولا خصومة، والتحاق التخاصم، والحاقة والحقة والحق ثلاث لغات بمعنى. قال الواحدي: هي القيامة في قول كل المفسرين، وسميت بذلك لأنها ذات الحواق من الأمور، وهي الصادقة الواجبة الصدق، وجميع أحكام القيامة صادقة واجبة الوقوع والوجود. قال الكسائي والمؤرج: الحاقة يوم الحق، وقيل سميت بذلك لأن كل إنسان فيها حقيق بأن يجزى بعمله، وقيل سميت بذلك لأنها أحقت لقوم النار، وأحقت لقوم الجنة، وهي مبتدأ وخبرها قوله (ما الحاقة) على أن ما الاستفهامية مبتدأ ثان وخبره الحاقة، والجملة خبر للمبتدأ الأول، والمعنى: أي شئ هي في حالها أو صفاتها، وقيل إن ما الاستفهامية خبر لما بعدها، وهذه الجملة وإن كان لفظها لفظ الاستفهام فمعناها التعظيم والتفخيم لشأنها كما تقول: زيد ما زيد، وقد قدمنا تحقيق هذا المعنى في سورة الواقعة. ثم زاد سبحانه في تفخيم أمرها وتفظيع شأنها وتهويل حالها فقال (وما أدراك ما الحاقة) أي أي شئ أعلمك ما هي؟ أي كأنك لست تعلمها إذا لم تعانيها وتشاهد ما فيها من الأهوال فكأنها خارجة عن دائرة علم المخلوقين. قال يحيى بن سلام:
بلغني أن كل شئ في القرآن، وما أدراك. فقد أدراه إياه وعلمه، وكل شئ قال فيه وما يدريك فإنه أخبره به، وما مبتدأ، وخبره أدراك، وما الحاقة جملة من مبتدأ وخبر محلها النصب بإسقاط الخافض، لأن أدرى يتعدى إلى المفعول الثاني بالباء كما في قوله - ولا أدراكم به - فلما وقعت جملة الاستفهام معلقة له كانت في موضع المفعول الثاني، وبدون الهمزة يتعدى إلى مفعول واحد بالباء نحو دريت بكذا، وإن كان بمعنى العلم تعدى إلى مفعولين، وجملة وما أدراك معطوفة على جملة ما الحاقة (كذبت ثمود وعاد بالقارعة) أي بالقيامة، وسميت بذلك لأنها تقرع الناس بأهوالها. وقال المبرد: عنى بالقارعة القرآن الذي نزل في الدنيا على أنبيائهم، وكانوا يخوفونهم بذلك فيكذبونهم، وقيل القارعة مأخوذة من القرعة لأنها ترفع أقواما وتحط آخرين، والأول أولى، ويكون وضع القارعة موضع ضمير الحاقة للدلالة على عظيم هو لها وفظاعة حالها والجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقة (فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية) ثمود هم قوم صالح، وقد تقدم بيان هذا في غير موضع وبيان منازلهم وأين كانت، والطاغية الصحيحة التي جاوزت الحد، وقيل بطغيانهم وكفرهم، وأصل الطغيان مجاوزة الحد (وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر) عاد هم قوم هود، وقد تقدم بيان هذا، وذكر منازلهم، وأين كانت في غير موضع، والريح الصرصر هي الشديدة البرد، مأخوذ من الصر وهو البرد، وقيل هي الشديدة الصوت. وقال مجاهد: الشديدة