وذلك أن الرياح تستدر المطر. وقال الفراء: المعصرات السحاب التي يتحلب منها المطر. قال النحاس: وهذه الأقوال صحاح، يقال للريح التي تأتي بالمطر معصرات، والرياح تلقح السحاب فيكون المطر. ويجوز أن تكون هذه الأقوال قولا واحدا، ويكون المعنى: وأنزلنا من ذوات المعصرات ماء ثجاجا. قال في الصحاح والمعصرات السحاب تعتصر بالمطر وعصر القوم أي مطروا. قال المبرد: يقال سحاب معصر: أي ممسك للماء يعتصر منه شئ بعد شئ. وقال أبي بن كعب والحسن وابن جبير وزيد بن أسلم ومقاتل بن حيان: المعصرات السماوات والثجاج: المنصب بكثرة على جهة التتابع، يقال ثج الماء: أي سال بكثرة، وثجه: أي أسأله. قال الزجاج:
الثجاج الصباب. قال ابن زيد: ثجاجا كثيرا (لنخرج به حبا ونباتا) أي لنخرج بذلك الماء حبا يقتات: كالحنطة والشعير ونحوهما، والنبات ما تأكله الدواب من الحشيش وسائر النبات (وجنات ألفافا) أي بساتين ملتف بعضها ببعض لتشعب أغصانها، ولا واحد للألفاف: كالأوزاع والأخياف، وقيل واحدها لف بكسر اللام وضمها، ذكره الكسائي. وقال أبو عبيدة: واحدها لفيف كشريف وأشراف، وروى عن الكسائي أنها جمع الجمع يقال جنة لفاء ونبت لف، والجمع لف بضم اللام مثل حمر، ثم يجمع هذا الجمع على ألفاف، وقيل هو جمع ملتفة بحذف الزوائد. قال الفراء: الجنة ما فيه النخيل، والفردوس ما فيه الكرم (إن يوم الفصل كان ميقاتا) أي وقتا ومجمعا وميعادا للأولين والآخرين يصلون فيه إلى ما وعدوا به من الثواب والعقاب، وسمى يوم الفصل لأن الله يفصل فيه بين خلقه، وهذا شروع في بيان ما يتساءلون عنه من البعث، وقيل معنى ميقاتا: أنه حد توقت به الدنيا وتنتهي عنده، وقيل حد للخلائق ينتهون إليه (يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) أي يوم ينفخ في الصور، وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل، والمراد هنا النفخة الثانية التي تكون للبعث (فتأتون) أي إلى موضع العرض (أفواجا) أي زمرا زمرا، وجماعات جماعات، وهي جمع فوج، وانتصاب (يوم ينفخ) على أنه بدل من يوم الفصل، أو بيان له مفيد لزيادة تفخيمه وتهويله وإن كان الفصل متأخرا عن النفخ، ويجوز أن يكون منصوبا بإضمار أعني، وانتصاب أفواجا على الحال من فاعل تأتون، والفاء في فتأتون فصيحة تدل على محذوف: أي فتأتون إلى موضع العرض عقيب ذلك أفواجا (وفتحت السماء فكانت أبوابا) معطوف على ينفخ، وصيغة الماضي للدلالة على تحقق الوقوع أي فتحت لنزول الملائكة (فكانت أبوابا) كما في قوله - ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا - وقيل معنى فتحت قطعت فصارت قطعا كالأبواب، وقيل أبوابها طرقها، وقيل تنحل وتتناثر حتى تصير فيه أبواب، وقيل إن لكل عبد بابين في السماء: باب لرزقه وباب لعمله، فإذا قامت القيامة انفتحت الأبواب، وظاهر قوله (فكانت أبوابا) أنها صارت كلها أبوابا، وليس المراد ذلك، بل المراد أنها صارت ذات أبواب كثيرة. قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي فتحت مخففا. وقرأ الباقون بالتشديد (وسيرت الجبال فكانت سرابا) أي سيرت عن أماكنها في الهواء، وقلعت عن مقارها، فكانت هباء منبثا يظن الناظر أنها سراب، والمعنى: أن الجبال صارت كلا شئ كما أن السراب يظن الناظر أنه ماء، وليس بماء، وقيل معنى سيرت: أنها نسفت من أصولها، ومثل هذا قوله - وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب - وقد ذكر سبحانه أحوال الجبال بوجوه مختلفة، ولكن الجمع بينها أن نقول: أول أحوالها الاندتاك، وهو قوله - وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة - وثاني أحوالها أن تصير كالعهن المنفوش كما في قوله - وتكون الجبال كالعهن المنفوش - وثالث أحوالها أن تصير كالهباء، وهو قوله - وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا - ورابع أحوالها أن تنسف وتحملها الرياح كما في قوله - وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب - وخامس أحوالها أن تصير سرابا: أي