المراد الزكاة المفروضة. وقال مجاهد: سوى الزكاة، وقيل صلة الرحم، والظاهر أنه الزكاة لوصفه بكونه معلوما ولجعله قرينا للصلاة، وقد تقدم تفسير السائل والمحروم في سورة الذاريات مستوفى (والذين يصدقون بيوم الدين) أي بيوم الجزاء، وهو يوم القيامة لا يشكون فيه ولا يجحدونه، وقيل يصدقونه بأعمالهم فيتعبون أنفسهم في الطاعات (والذين هم من عذاب ربهم مشفقون) أي خائفون وجلون مع ما لهم من أعمال الطاعة استحقارا لأعمالهم، واعترافا بما يجب لله سبحانه عليهم. وجملة (إن عذاب ربهم غير مأمون) مقررة لمضمون ما قبلها مبينة أن ذلك مما لا ينبغي أن يأمنه أحد، وأن حق كل أحد أن يخافه (والذين هم لفروجهم حافظون) إلى قوله (فأولئك هم العادون) قد تقدم تفسيره في سورة المؤمنين مستوفى (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) أي لا يخلون بشئ من الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا ينقضون شيئا من العهود التي يعقدونها على أنفسهم. قرأ الجمهور " لأماناتهم " بالجمع وقرأ ابن كثير وابن محيصن " لأمانتهم " بالإفراد، والمراد الجنس (والذين هم بشهاداتهم قائمون) أي يقيمونها على من كانت عليه من قريب أو بعيد أو رفيع أو وضيع، ولا يكتمونها ولا يغيرونها، وقد تقدم القول في الشهادة في سورة البقرة، قرأ الجمهور " بشهادتهم " بالإفراد، وقرأ حفص ويعقوب وهي رواية عن ابن كثير بالجمع. قال الواحدي، والإفراد أولى لأنه مصدر، ومن جمع ذهب إلى اختلاف الشهادات قال الفراء: ويدل على قراءة التوحيد قوله تعالى - وأقيموا الشهادة لله - (والذين هم على صلاتهم يحافظون) أي على أذكارها وأركانها وشرائطها لا يخلون بشئ من ذلك. قال قتادة: على وضوئها وركوعها وسجودها. وقال ابن جريج: المراد التطوع، وكرر ذكر الصلاة لاختلاف ما وصفهم به أولا، وما وصفهم به ثانيا، فإن معنى الدوام: هو أن لا يشتغل عنها بشئ من الشواغل كما سلف، ومعنى المحافظة: أن يراعى الأمور التي لا تكون صلاة بدونها، وقيل المراد يحافظون عليها بعد فعلها من أن يفعلوا ما يحبطها ويبطل ثوابها، وكرر الموصولات للدلالة على أن كل وصف من تلك الأوصاف لجلالته يستحق أن يستقل بموصوف منفرد، والإشارة بقوله (أولئك) إلى الموصوفين بتلك الصفات (في جنات مكرمون) أي مستقرون فيها مكرمون بأنواع الكرامات، وخبر المبتدأ قوله (في جنات) وقوله (مكرمون) خبر آخر، ويجوز أن يكون الخبر مكرمون، وفي جنات متعلق به (فمال الذين كفروا قبلك مهطعين) أي أي شئ لهم حواليك مسرعين: قال الأخفش: مهطعين مسرعين، ومنه قول الشاعر:
بمكة أهلها ولقد أراهم * إليهم مهطعين إلى السماع وقيل المعنى: ما بالهم يسرعون إليك يجلسون حواليك ولا يعملون بما تأمرهم، وقيل ما بالهم مسرعين إلى التكذيب، وقيل ما بال الذين كفروا يسرعون إلى السماع إليك فيكذبونك ويستهزئون بك. وقال الكلبي: إن معنى: مهطعين ناظرين إليك. وقال قتادة: عامدين، وقيل مسرعين إليك مادي أعناقهم مديمي النظر إليك (عن اليمين وعن الشمال عزين) أي عن يمين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن شماله جماعات متفرقة، وعزين جمع عزة، وهي العصبة من الناس، ومنه قول الشاعر:
ترانا عنده والليل داج * على أبوابه حلقا عزينا وقال الراعي: أخليفة الرحمن إن عشيرتي * أمسى سراتهم إليك عزينا وقال عنترة: وقرن قد تركت لدى ولى * عليه الطير كالعصب العزينا وقيل أصلها عزوة من العزو، كأن كل فرقة تعتزي إلى غير من تعتزي إليه الأخرى. قال في الصحاح: