وطأها إلا بكفارة، وبه قال الليث بن سعد، وروى عن أبي حنيفة. وقيل هو تكرير الظهار بلفظه، وبه قال أهل الظاهر. وروى عن بكير بن الأشبح وأبي العالية والفراء. والمعنى. ثم يعودون إلى قول ما قالوا. والموصول مبتدأ وخبره (فتحرير رقبة) على تقدير فعليهم تحرير رقبة كما تقدم، أو قالوا جب عليهم إعتاق رقبة، يقال حررته: أي جعلته حرا، والظاهر أنها تجزئ أي رقبة كانت، وقيل يشترط أن تكون مؤمنة كالرقبة في كفارة القتل، وبالأول قال أبو حنيفة وأصحابه وبالثاني قال مالك والشافعي، واشترطا أيضا سلامتها من كل عيب (من قبل أن يتماسا) المراد بالتماس هنا الجماع، وبه قال الجمهور، فلا يجوز للمظاهر الوطء حتى يكفر، وقيل إن المراد به الاستمتاع بالجماع أو اللمس أو النظر إلى الفرج بشهوة، وبه قال مالك، وهو أحد قول الشافعي، والإشارة بقوله (ذلكم) إلى الحكم المذكور وهو مبتدأ وخبره (توعظون به) أي تؤمرون به، أو تزجرون به عن ارتكاب الظهار، وفيه بيان لما هو المقصود من شرع الكفارة. قال الزجاج: معنى الآية ذلكم التغليظ في الكفارة توعظون به: أي إن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار (والله بما تعملون خبير) لا يخفى عليه شئ من أعمالكم، فهو مجازيكم عليها. ثم ذكر سبحانه حكم العاجز عن الكفارة فقال (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا) أي فمن لم يجد الرقبة في ملكه ولا تمكن من قيمتها فعليه صيام شهرين متتابعين متواليين لا يفطر فيهما، فإن أفطر استأنف إن كان الإفطار لغير عذر، وإن كان لعذر من سفر أو مرض فقال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار والشعبي والشافعي ومالك: إنه يبنى ولا يستأنف. وقال أبو حنيفة:
إنه يستأنف، وهو مروي عن الشافعي، ومعنى (من قبل أن يتماسا) هو ما تقدم قريبا، فلو وطئ ليلا أو نهارا عمدا أو خطأ استأنف، وبه قال أبو حنيفة ومالك. وقال الشافعي: لا يستأنف إذا وطئ ليلا لأنه ليس محلا للصوم، والأول أولى (فمن لم يستطع) يعنى صيام شهرين متتابعين (فإطعام ستين مسكينا) أي فعليه أن يطعم ستين مسكينا، لكل مسكين مدان، وهما نصف صاع، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. وقال الشافعي وغيره:
لكل مسكين مد واحد، والظاهر من الآية أن يطعمهم حتى يشبعوا مرة واحدة، أو يدفع إليهم ما يشبعهم، ولا يلزمه أن يجمعهم مرة واحدة، بل يجوز له أن يطعم بعض الستين في يوم، وبعضهم في يوم آخر، والإشارة بقوله (ذلك) إلى ما تقدم ذكره من الأحكام، وهو مبتدأ وخبره مقدر: أي ذلك واقع (لتؤمنوا بالله ورسوله) ويجوز أن يكون اسم الإشارة في محل نصب، والتقدير: فعلنا ذلك لتؤمنوا: أي لتصدقوا أن الله أمر به وشرعه، أو لتطيعوا الله ورسوله في الأوامر والنواهي، وتقفوا عند حدود الشرع ولا تتعدوها ولا تعودوا إلى الظهار الذي هو منكر من القول وزور، والإشارة بقوله (وتلك) إلى الأحكام المذكورة وهو مبتدأ، وخبره (حدود الله) فلا تجاوزوا حدوده التي حدها لكم، فإنه قد بين لكم أن الظهار معصية، وأن كفارته المذكورة توجب العفو والمغفرة (وللكافرين) الذين لا يقفون عند حدود الله ولا يعملون بما حده الله لعباده (عذاب أليم) وهو عذاب جهنم، وسماه كفرا تغليظا وتشديدا.
وقد أخرج ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن عائشة قالت: تبارك الذي وسع سمعه كل شئ إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهي تقول: يا رسول الله أكل شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، قالت: فما برحت حتى نزل جبريل بهؤلاء الآيات (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها) وهو أوس بن الصامت. وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس قال: كان