إلى غاية هي أن لا يكون حرب مع الكفار. قال مجاهد: المعنى حتى لا يكون دين غير دين الإسلام وبه قال الحسن والكلبي. قال الكسائي: حتى يسلم الخلق. قال الفراء: حتى يؤمنوا ويذهب الكفر. وقيل المعنى: حتى يضع الأعداء المحاربون أوزارهم، وهو سلاحهم بالهزيمة أو الموادعة. وروى عن الحسن وعطاء أنهما قالا:
في الآية تقديم وتأخير، والمعنى: فضرب الرقاب حتى تضع الحرب أوزارها، فإذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق.
وقد اختلف العلماء في هذه الآية هل هي محكمة أو منسوخة، فقيل إنها منسوخة في أهل الأوثان وأنه لا يجوز أن يفادوا ولا يمن عليهم، والناسخ لها قوله - فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - وقوله - فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم - وقوله - وقاتلوا المشركين كافة - وبهذا قال قتادة والضحاك والسدي وابن جريح وكثير من الكوفيين: قالوا: والمائدة آخر ما نزل، فوجب أن يقتل كل مشرك إلا من قامت الدلالة على تركه من النساء والصبيان ومن تؤخذ منه الجزية، وهذا هو المشهور من مذهب أبي حنيفة. وقيل إن هذه الآية ناسخة لقوله - فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم - روى ذلك عن عطاء وغيره. وقال كثير من العلماء: إن الآية محكمة والإمام مخير بين القتل والأسر، وبعد الأسر مخير بين المن والفداء. وبه قال مالك والشافعي والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وغيرهم. وهذا هو الراجح لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين من بعده فعلوا ذلك. وقال سعيد بن جبير: لا يكون فداء ولا أسر إلا بعد الإثخان والقتل بالسيف لقوله - ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض - فإذا أسر بعد ذلك فللإمام أن يحكم بما رآه من قتل أو غيره (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم) محل ذلك الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي الأمر ذلك، وقيل في محل نصب على المفعولية بتقدير فعل: أي افعلوا ذلك، ويجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف يدل عليه ما تقدم: أي ذلك حكم الكفار، ومعنى لو يشاء الله لانتصر منهم: أي قادر على الانتصار منهم بالانتقام منهم وإهلاكهم وتعذيبهم بما شاء من أنواع العذاب (ولكن) أمركم بحربهم (ليبلو بعضكم ببعض) أي ليختبر بعضكم ببعض فيعلم المجاهدين في سبيله والصابرين على ابتلائه ويجزل ثوابهم ويعذب الكفار بأيديهم (والذين قتلوا في سبيل الله) قرأ الجمهور قاتلوا مبنيا للفاعل، وقرأ أبو عمرو وحفص " قتلوا " مبنيا للمفعول، وقرأ الحسن بالتشديد مبنيا للمفعول أيضا. وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر وأبو حيوة " قتلوا " على البناء للفاعل مع التخفيف من غير ألف، والمعنى على القراءة الأولى والرابعة: أن المجاهدين في سبيل الله ثوابهم غير ضائع، وعلى القراءة الثانية والثالثة: أن المقتولين في سبيل الله كذلك لا يضيع الله سبحانه أجرهم. قال قتادة: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت يوم أحد. ثم ذكر سبحانه ما لهم عنده من جزيل الثواب فقال (سيهديهم) أي سيهديهم الله سبحانه إلى الرشد في الدنيا ويعطيهم الثواب في الآخرة (ويصلح بالهم) أي حالهم وشأنهم وأمرهم. قال أبو العالية: قد ترد الهداية، والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطريق المفضية إليها، وقال ابن زياد: يهديهم إلى محاجة منكر ونكير (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) أي بينها لهم حتى عرفوها من غير استدلال، وذلك أنهم إذا دخلوا الجنة تفرقوا إلى منازلهم. قال الواحدي: هذا قول عامة المفسرين. وقال الحسن: وصف الله لهم الجنة في الدنيا، فلما دخلوها عرفوها بصفتها. وقيل فيه حذف:
أي عرفوا طرقها ومساكنها وبيوتها. وقيل هذا التعريف بدليل يدلهم عليها، وهو الملك الموكل بالعبد يسير بين يديه حتى يدخله منزله، كذا قال مقاتل. وقيل معنى عرفها لهم طيبها بأنواع الملاذ، مأخوذ من العرف، وهو الرائحة.
ثم وعدهم سبحانه على نصر دينه بقوله (يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم) أي إن تنصروا دين الله ينصركم على الكفار ويفتح لكم، ومثله قوله - ولينصرن الله من ينصره -. قال قطرب: إن تنصروا نبي الله ينصركم (ويثبت أقدامكم) أي عند القتال وتثبت الأقدام عبارة عن النصر والمعونة في مواطن الحرب، وقيل على الإسلام، وقيل على الصراط (والذين كفروا فتعسا لهم) الموصول في محل رفع على أنه مبتدأ وخبره محذوف