قوله (سبح اسم ربك الأعلى) أي نزهه عن كل ما لا يليق به. قال السدي: سبح اسم ربك الأعلى: أي عظمه، قيل والاسم هنا مقحم لقصد التعظيم، كما في قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر والمعنى: سبح ربك الأعلى. قال ابن جرير: المعنى نزه اسم ربك أن يسمى به أحد سواه، فلا تكون على هذا مقحمة. وقيل المعنى: نزه تسمية ربك وذكرك إياه أن تذكره إلا وأنت خاشع معظم، ولذكره محترم. وقال الحسن: معنى سبح اسم ربك الأعلى: صل له. وقيل المعنى: صل بأسماء الله لا كما يصلي المشركون بالمكاء والتصدية. وقيل المعنى: ارفع صوتك بذكر ربك، ومنه قول جرير:
قبح الإله وجوه تغلب كلما * سبح الحجيج وكبروا تكبيرا والأعلى صفة للرب، وقيل للاسم، والأول أولى، وقوله (الذي خلق فسوى) صفة أخرى للرب. قال الزجاج: خلق الإنسان مستويا، ومعنى سوى: عدل قامته. قال الضحاك: خلقه فسوى خلقه، وقيل خلق الأجساد فسوى الأفهام، وقيل خلق الإنسان وهيأه للتكليف (والذي قدر فهدى) صفة أخرى للرب، أو معطوف على الموصول الذي قبله. قرأ علي بن أبي طالب والكسائي والسلمي " قدر " مخففا، وقرأ الباقون بالتشديد.
قال الواحدي: قال المفسرون: قدر خلق الذكر والأنثى من الدواب فهدى الذكر للأنثى كيف يأتيها. وقال مجاهد: هدى الإنسان لسبيل الخير والشر، والسعادة والشقاوة. وروى عنه أيضا أنه قال في معنى الآية: قدر السعادة والشقاوة وهدى للرشد والضلالة، وهدى الأنعام لمراعيها. وقيل قدر أرزاقهم وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسا، ولمراعيهم إن كانوا وحشا. وقال عطاء: جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها له. وقيل خلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منها. وقال السدى: قدر مدة الجنين في الرحم تسعة أشهر وأقل وأكثر، ثم هداه للخروج من الرحم. قال الفراء: أي قدر فهدى وأضل فاكتفى بأحدهما، وفي تفسير الآية أقوال غير ما ذكرنا. والأولى عدم تعيين فرد أو أفراد مما يصدق عليه قدر وهدى إلا بدليل يدل عليه، ومع عدم الدليل يحمل على ما يصدق عليه معنى الفعلين، إما على البدل أو على الشمول، والمعنى: قدر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له، ويسره لما خلق له، وألهمه إلى أمور دينه ودنياه (والذي أخرج المرعى) صفة أخرى للرب: أي أنبت العشب وما ترعاه النعم من النبات الأخضر (فجعله غثاء أحوى) أي فجعله بعد أن كان أخضر غثاء: أي هشيما جافا كالغثاء الذي يكون فوق السيل أحوى: أي أسود بعد اخضراره، وذلك أن الكلأ إذا يبس اسود. قال قتادة: الغثاء الشئ اليابس، ويقال للبقل والحشيش إذا انحطم ويبس غثاء وهشيم. قال امرؤ القيس:
كأن ذرى رأس المجمر غدوة * من السيل والأغثاء فلكة مغزل وانتصاب غثاء على أنه المفعول الثاني، أو على الحال، وأحوى صفة له. وقال الكسائي: هو حال من المرعى: أي أخرجه أحوى من شدة الخضرة والري (فجعله غثاء) بعد ذلك، والأحوى مأخوذ من الحوة، وهي سواد يضرب إلى الخضرة. قال في الصحاح: والحوة سمرة الشفة، ومنه قول ذي الرمة: