سورة الفجر (15 - 30) لما ذكر سبحانه أنه بالمرصاد ذكر ما يدل على اختلاف أحوال عباده عند إصابة الخير وعند إصابة الشر، وأن مطمح أنظارهم ومعظم مقاصدهم هو الدنيا فقال (فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه) أي امتحنه واختبره بالنعم (فأكرمه ونعمه) أي أكرمه بالمال ووسع عليه رزقه (فيقول ربي أكرمن) فرحا بما نال وسرورا بما أعطى، غير شاكر لله على ذلك ولا خاطر بباله أن ذلك امتحان له من ربه واختبار لحاله وكشف لما يشتمل عليه من الصبر والجزع والشكر للنعمة وكفرانها، إلا و " ما " في قوله (إذا ما) زائدة، وقوله (فأكرمه ونعمه) تفسير للابتلاء ومعنى (أكرمن) أي فضلني بما أعطاني من المال وأسبغه على من النعم لمزيد استحقاقي لذلك وكوني موضعا له، والإنسان مبتدأ، وخبره " فيقول ربي أكرمن " ودخلت الفاء فيه لتضمن أما معنى الشرط والظرف المتوسط بين المبتدأ والخبر وإن تقدم لفظا فهو مؤخر في المعنى: أي فأما الإنسان فيقول ربي أكرمني وقت ابتلائه بالإنعام.
قال الكلبي: الإنسان هو الكافر أبي بن خلف. وقال مقاتل: نزلت في أمية بن خلف، وقيل نزلت في عتبة بن ربيعة وأبي حذيفة بن المغيرة (وأما إذا ما ابتلاه) أي اختبره وعامله معاملة من يختبره (فقدر عليه رزقه) أي ضيقه ولم يوسعه له، ولا بسط له فيه (فيقول ربي أهانن) أي أولاني هوانا، وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث، لأنه لا كرامة عنده إلا الدنيا والتوسع في متاعها، ولا إهانة عنده إلا فوتها وعدم وصوله إلى ما يريد من زينتها، فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته ويوفقه لعمل الآخرة، ويحتمل أن يراد الإنسان على العموم لعدم تيقظه أن ما صار إليه من الخير وما أصيب به من الشر في الدنيا ليس إلا للاختبار والامتحان، وأن الدنيا بأسرها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، ولو كانت تعدل جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء. قرأ نافع بإثبات الياء في " أكرمن وأهانن " وصلا وحذفهما وقفا، وقرأ ابن كثير في رواية البزي عنه وابن محيصن ويعقوب بإثباتهما وصلا ووقفا، وقرأ الباقون بحذفهما في الوصل والوقف اتباعا لرسم المصحف ولموافقة رؤوس الآي، والأصل إثباتها لأنها اسم، ومن الحذف قول الشاعر:
ومن كاشح ظاهر غمره * إذا ما انتصبت له أنكرن