بالحق، ويجوز أن تكون الباء للسببية، فتتعلق بنفس الفعل (فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) اي بعد حديث الله وبعد آياته، وقيل إن المقصود: فبأي حديث بعد آيات الله وذكر الاسم الشريف ليس إلا لقصد تعظيم الآيات فيكون من باب: أعجبني زيد وكرمه. وقيل المراد بعد حديث الله، وهو القرآن كما في قوله - الله نزل أحسن الحديث - وهو المراد بالآيات، والعطف لمجرد التغاير العنواني. قرأ الجمهور " تؤمنون " بالفوقية، وقرأ حمزة والكسائي بالتحية. والمعنى: يؤمنون بأي حديث، وإنما قدم عليه لأن الاستفهام له صدر الكلام (ويل لكل أفاك أثيم) أي لكل كذاب كثير الإثم مرتكب لما يوجبه، والويل واد في جهنم. ثم وصف هذا الأفاك بصفة أخرى فقال (يسمع آيات الله تتلى عليه) وقيل إن يسمع في محل نصب على الحال، وقيل استئناف، والأول أولى، وقوله (تتلى عليه) في محل نصب على الحال (ثم يصر) على كفره ويقيم على ما كان عليه حال كونه (مستكبرا) أي يتمادى على كفره متعظما في نفسه عن الانقياد للحق، والإصرار مأخوذ من إصرار الحمار على العانة، وهو أن ينحني عليها صارا أذنيه. قال مقاتل: إذا سمع من آيات القرآن شيئا اتخذها هزوا، وجملة (كأن لم يسمعها) في محل نصب على الحال أو مستأنفة، وإن هي المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير شأن محذوف (فبشره بعذاب أليم) هذا من باب التهكم: أي فبشره على إصراره واستكباره وعدم استماعه إلى الآيات بعذاب شديد الألم (وإذا علم من آياتنا شيئا) قرأ الجمهور: علم بفتح العين وكسر اللام مخففة على البناء للفاعل. وقرأ قتادة ومطر الوراق على البناء للمفعول. والمعنى: أنه إذا وصل إليه علم شئ من آيات الله (اتخذها) أي الآيات (هزوا) وقيل الضمير في اتخذها عائد إلى شيئا، لأنه عبارة عن الآيات، والأول أولى. والإشارة بقوله (أولئك) إلى كل أفاك متصف بتلك الصفات (لهم عذاب مهين) بسبب ما فعلوا من الإصرار والاستكبار عن سماع آيات الله واتخاذها هزوا، والعذاب المهين هو المشتمل على الإذلال والفضيحة (من ورائهم جهنم) أي من وراء ما هم فيه من التعزز بالدنيا والتكبر عن الحق جهنم، فإنها من قدامهم لأنهم متوجهون إليها، وعبر بالوراء عن القدام، كقوله (من ورائه جهنم) وقول الشاعر: أليس ورائي إن تراخت منيتي * وقيل جعلها باعتبار إعراضهم عنها كأنها خلفهم (ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا) أي لا يدفع عنهم ما كسبوا من أموالهم وأولادهم شيئا من عذاب الله، ولا ينفعهم بوجه من وجوه النفع (ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء) معطوف على ما كسبوا: أي ولا يغني عنهم ما اتخذوا من دون الله أولياء من الأصنام، و " ما " في الموضعين إما مصدرية أو موصولة، وزيادة لا في الجملة الثانية للتأكيد (ولهم عذاب عظيم) في جهنم التي هي من ورائهم (هذا هدى) جملة مستأنفة من مبتدأ وخبر يعني هذا القرآن هدى للمهتدين به (والذين كفروا بآيات ربهم) القرآنية (لهم عذاب من رجز أليم) الرجز أشد العذاب. قرأ الجمهور " أليم " بالجر صفة للرجز. وقرأ ابن كثير وحفص وابن محيصن بالرفع صفة لعذاب (الله الذي سخر لكم البحر) أي جعله على صفة تتمكنون بها من الركوب عليه (لتجري الفلك فيه بأمره) أي بإذنه وإقداره لكم (ولتبتغوا من فضله) بالتجارة تارة، والغوص للدر، والمعالجة للصيد وغير ذلك (ولعلكم تشكرون) أي لكي تشكروا النعم التي تحصل لكم بسبب هذا التسخير للبحر (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه) أي سخر لعباده جميع ما خلقه في سماواته وأرضه مما تتعلق به مصالحهم وتقوم به معايشهم، ومما سخره لهم من مخلوقات السماوات: الشمس والقمر والنجوم النيرات والمطر والسحاب والرياح، وانتصاب جميعا على الحال من ما في السماوات وما في الأرض أو تأكيد له، وقوله: منه يجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لجميعا: أي كائنة منه، ويجوز أن يتعلق بسخر، ويجوز أن يكون حالا من ما في السماوات، أو خبرا لمبتدأ محذوف. والمعنى: أن كل ذلك رحمة منه
(٥)