يوعدون) وعد الصدق مصدر مؤكد لمضمون الجملة السابقة، لأن قوله (أولئك الذين نتقبل عنهم) الخ في معنى الوعد بالتقبل والتجاوز، ويجوز أن يكون مصدرا لفعل محذوف. أي وعدهم الله وعد الصدق الذي كانوا يوعدون به على ألسن الرسل في الدنيا.
وقد أخرج أبو يعلي وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه عن عوف بن مالك الأشجعي قال: " انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا معه حتى دخلنا كنيسة اليهود يوم عيدهم، فكرهوا دخولنا عليهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا معشر اليهود أروني اثني عشر رجلا منكم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله يحط الله تعالى عن كل يهودي تحت أديم السماء الغضب الذي عليه، فسكتوا فما أجابه منهم أحد، ثم رد عليهم فلم يجبه أحد ثلاثا، فقال: أبيتم فوالله لأنا الحاشر، وأنا العاقب، وأنا المقفي آمنتم أو كذبتم، ثم انصرف وأنا معه حتى كدنا أن نخرج، فإذا رجل من خلفه فقال: كما أنت يا محمد فأقبل، فقال ذلك الرجل: أي رجل تعلموني فيكم يا معشر اليهود، فقالوا، والله ما نعلم فينا رجلا أعلم بكتاب الله ولا أفقه منك ولا من أبيك ولا من جدك، قال: فإني أشهد بالله أنه النبي الذي تجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل، قالوا كذبت، ثم ردوا عليه وقالوا شرا، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: كذبتم لن يقبل منكم قولكم، فخرجنا ونحن ثلاثة، رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا وابن سلام، فأنزل الله - قل أرأيتم إن كان من عند الله - إلى قوله - لا يهدي القوم الظالمين " وصححه السيوطي. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام، وفيه نزلت - وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله -. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن مردويه عن عبد الله بن سلام قال:
نزل في آيات من كتاب الله نزلت في - وشهد شاهد من بني إسرائيل - ونزل في - قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب -. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس (وشهد شاهد من بني إسرائيل) قال. عبد الله بن سلام، وقد روى نحو هذا عن جماعة من التابعين. وفيه دليل على أن هذه الآية مدنية فيخصص بها عموم قولهم إن سورة الأحقاف كلها مكية. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: قال ناس من المشركين نحن أعز ونحن ونحن، فلو كان خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان، فنزل (وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه). وأخرج ابن المنذر عن عون بن أبي شداد قال: كانت لعمر بن الخطاب أمة أسلمت قبله: يقال لها زنيرة، وكان عمر يضربها على الإسلام، وكان كفار قريش يقولون: لو كان خيرا ما سبقتنا إليه زنيرة، فأنزل الله في شأنها (وقال الذين كفروا) الآية. وأخرج الطبراني عن سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " بنو غفار وأسلم كانوا لكثير من الناس فتنة، يقولون لو كان خيرا ما جعلهم الله أول الناس فيه ". وأخرج ابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: نزل قوله (ووصينا الإنسان بوالديه) الآية إلى قوله (وعد الصدق الذي كانوا يوعدون) في أبي بكر الصديق. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن نافع بن جبير أن ابن عباس أخبره قال: إني لصاحب المرأة التي أتى بها عمر وضعت لستة أشهر فأنكر الناس ذلك. فقلت لعمر: لم تظلم؟ قال كيف؟ قلت اقرأ - وحمله وفصاله ثلاثون شهرا - والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين - كم الحول؟ قال سنة، قلت: كم السنة؟ قال اثنا عشر شهرا، قلت: فأربعة وعشرون شهرا حولان كاملان، ويؤخر الله من الحمل ما شاء ويقدم ما شاء، فاستراح عمر إلى قولي. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه أنه كان يقول: إذا ولدت المرأة لتسعة أشهر كفاها من الرضاع