وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبيهقي وابن مردويه عن ابن مسعود أنه قيل له: ما سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في زعموا؟ قال: سمعته يقول: بئس مطية الرجل. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر عنه أنه كره زعموا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: يوم التغابن من أسماء يوم القيامة. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عنه في قوله (ذلك يوم التغابن) قال: غبن أهل الجنة أهل النار، وأخرج سعيد بن منصور عن ابن مسعود في قوله (ما أصاب من مصيبة) قال: هي المصيبات تصيب الرجل فيعلم أنها من عند الله فيسلم لها ويرضى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله (يهد قلبه) قال:
يعنى يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
سورة التغابن (14 - 18) قوله (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم) يعنى أنهم يعادونكم ويشغلونكم عن الخير، ويدخل في ذلك سبب النزول دخولا أوليا، وهو أن رجالا من مكة أسلموا وأرادوا أن يهاجروا فلم يدعهم أزواجهم ولا أولادهم، فأمر الله سبحانه بأن يحذروهم فلا يطيعوهم في شئ مما يريدونه منهم مما فيه مخالفة لما يريده الله، والضمير في (فاحذروهم) يعود إلى العدو، أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم، بل إلى المتصفين بالعداوة منهم، وإنما جاز جمع الضمير على الوجه الأول، لأن العدو يطلق على الواحد والاثنين والجماعة.
ثم أرشدهم الله إلى التجاوز فقال (وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا) أي تعفوا عن ذنوبهم التي ارتكبوها وتتركوا التثريب عليها وتستروها (فإن الله غفور رحيم) بالغ المغفرة والرحمة لكم ولهم، قيل كان الرجل الذي ثبطه أزواجه وأولاده عن الهجرة إذا رأى الناس قد سبقوه إليها وفقهوا في الدين هم أن يعاقب أزواجه وأولاده، فأنزل الله (وإن تعفوا) الآية، والآية تعم وإن كان السبب خاصا كما عرفناك غير مرة. قال مجاهد: والله ما عادوهم في الدنيا ولكن حملتهم مودتهم على أن اتخذوا لهم الحرام فأعطوهم إياه. ثم أخبر الله سبحانه بأن الأموال والأولاد فتنة فقال (إنما أموالكم وأولادكم فتنة) أي بلاء واختبار ومحنة يحملونكم على كسب الحرام ومنع حق الله فلا تطيعوهم في معصية الله (والله عنده أجر عظيم) لمن آثر طاعة الله وترك معصيته في محبة ماله، وولده. ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة فقال (فاتقوا الله ما استطعتم) أي ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم. وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن هذه الآية ناسخة لقوله سبحانه - فاتقوا الله حق تقاته - ومنهم قتادة والربيع بن أنس والسدي وابن زيد، وقد أوضحنا الكلام في قوله - فاتقوا الله حق تقاته - ومعنى (واسمعوا وأطيعوا) أي اسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا الأوامر. قال مقاتل اسمعوا: أي اصغوا إلى ما ينزل عليكم وأطيعوا لرسوله فيما يأمركم وينهاكم. وقيل معنى اسمعوا: اقبلوا