أي جحدته. قال المبرد: يقال أمرأه عن حقه وعلى حقه: إذا منعه منه ودفعه. وقيل على بمعنى عن. وقرأ ابن مسعود والشعبي ومجاهد والأعرج " أفتمرونه " بضم التاء من أمريت: أي أتريبونه وتشكون فيه. قال جماعة من المفسرين: المعنى على قراءة الجمهور أفتجادلونه، وذلك أنهم جادلوه حين أسرى به فقالوا: صف لنا مسجد بيت المقدس، أي أفتجادلونه جدالا ترمون به دفعه عما شاهده وعلمه، واللام في قوله (ولقد رآه نزلة أخرى) هي الموطئة للقسم: أي والله لقد رآه نزلة أخرى، والنزلة المرة من النزول، فانتصابها على الظرفية أو منتصبة على المصدر الواقع موقع على الحال: أي رأى جبريل نازلا نزلة أخرى، أو على أنه صفة مصدر مؤكد محذوف: أي رآه رؤية أخرى. قال جمهور المفسرين: المعنى أنه رأى محمد جبريل مرة أخرى، وقيل رأى محمد ربه مرة أخرى بفؤاده (عند سدرة المنتهى) الظرف منتصب برآه، والسدر هو شجر النبق، وهذه السدرة هي في السماء السادسة كما في الصحيح، وروى أنها في السماء السابعة. والمنتهى: مكان الانتهاء، أو هو مصدر ميمي، والمراد به الانتهاء نفسه، قيل إليها ينتهى علم الخلائق ولا يعلم أحد منهم ما وراءها، وقيل ينتهي إليها ما يعرج به من الأرض، وقيل تنتهي إليها أرواح الشهداء، وقيل غيره ذلك. وإضافة الشجرة إلى المنتهى من إضافة الشئ إلى مكانه (عندها جنة المأوى) أي عند تلك السدرة جنة تعرف بجنة المأوى، وسميت جنة المأوى لأنه أوى إليها آدم، وقيل إن أرواح المؤمنين تأوي إليها. قرأ الجمهور " جنة " برفع جنة على أنها مبتدأ وخبرها الظرف المتقدم. وقرأ على وأبو الدرداء وأبو هريرة وابن الزبير وأنس وزر بن حبيش ومحمد بن كعب ومجاهد وأبو سبرة الجهني جنة فعلا ماضيا من جن يجن: أي ضمه المبيت، أو سترة إيواء الله له. قال الأخفش: أدركه كما تقول جنة الليل أي ستره وأدركه، والجملة في محل نصب على الحال (إذ يغشي السدرة ما يغشى) العامل في الظرف رآه أيضا، وهو ظرف زمان، والذي قبله ظرف مكان، والغشيان بمعنى التغطية والستر، وبمعنى الإتيان يقال: فلان يغشاني كل حين: أي يأتيني، وفي الإبهام في قوله (ما يغشى) من التفخيم ما لا يخفى، وقيل يغشاها جراد من ذهب، وقيل طوائف من الملائكة. وقال مجاهد: رفرف أخضر، وقيل رفرف من طيور خضر، وقيل غشيها أمر الله، والمجئ بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضارا للصورة البديعة، أو للدلالة على الاستمرار التجددي (ما زاغ البصر) أي ما مال بصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عما رآه (وما طغى) أي ما جاوز ما رآى، وفي هذا وصف أدب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك المقام حيث لم يلتفت، ولم يمل بصره، ولم يمده إلى غير ما رأى، وقيل ما جاوز ما أمر به (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) أي والله لقد رأى تلك الليلة من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، قيل رأى رفرفا سد الأفق، وقيل رأى جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض له ستمائة جناح، كذا في صحيح مسلم وغيره، وقال الضحاك: رأى سدرة المنتهى، وقيل هو كل ما رآه تلك الليلة في مسراه وعوده، ومن للتبعيض ومفعول رأى الكبرى، ويجوز أن يكون المفعول محذوفا أي رأى شيئا عظيما من آيات ربه، ويجوز أن تكون من زائدة (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى) لما قص الله سبحانه هذه الأقاصيص قال للمشركين: موبخا لهم ومقرعا (أفرأيتم) أي أخبروني عن الآلهة التي تعبدونها من دون الله هل لها قدرة توصف بها، وهل أوحت إليكم شيئا كما أوحى الله إلى محمد. أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع. ثم ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي اشتهرت في العرب وعظم اعتقادهم فيها. وقال الواحدي وغيره: وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى، فقالوا من الله اللات، ومن العزيز العزى، وهي تأنيب الأعز بمعنى العزيزة، ومناة من منى الله الشئ إذا قدره. قرأ الجمهور (اللات) بتخفيف التاء، فقيل هو مأخوذ من اسم الله سبحانه كما تقدم،
(١٠٧)