قوله (يا أيها المزمل) أصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي، والتزمل التلفف في الثوب. قرأ الجمهور " المزمل " بالإدغام. وقرأ أبي المتزمل على الأصل. وقرأ عكرمة بتخفيف الزاي، ومثل هذه القراءة قول امرئ القيس:
كأن ثبيرا في أفانين وبله * كبير أناس في لحاد مزمل وهذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد اختلف في معناه، فقال جماعة: إنه كان يتزمل صلى الله عليه وآله وسلم بثيابه في أول ما جاءه جبريل بالوحي فرقا منه حتى أنس به، وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالنبوة والملتزم للرسالة. وبهذا قال عكرمة وكان يقرأ (يا أيها المزمل) بتخفيف الزاي وفتح الميم مشددة اسم مفعول وقيل المعنى: يا أيها المزمل بالقرآن. وقال الضحاك: تزمل بثيابه لمنامه، وقيل بلغه من المشركين سوء قول، فتزمل في ثيابه وتدثر، فنزلت يا أيها المزمل ويا أيها المدثر. وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما سمع صوت الملك ونظر إليه أخذته الرعدة، فأتى أهله وقال: زملوني دثروني، وكان خطابه صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الخطاب في أول نزول الوحي. ثم بعد ذلك خوطب بالنبوة والرسالة (قم الليل إلا قليلا) أي قم للصلاة في الليل. قرأ الجمهور " قم " بكسر الميم لالتقاء الساكنين. وقرأ أبو السماك بضمها اتباعا لضمة القاف. قال عثمان بن جنى: الغرض بهذه الحركة الهرب من إلتقاء الساكنين فبأي حركة تحرك فقد وقع الغرض. وانتصاب الليل على الظرفية. وقيل إن معنى قم صل، عبر به عنه واستعير له. واختلف هل كان هذا القيام الذي أمر به فرضا عليه أو نفلا؟ وسيأتي إن شاء الله ما روى في ذلك. وقوله إلا فليلا استثناء من الليل: أي صل الليل كله إلا يسيرا منه، والقليل من الشئ هو ما دون النصف، وقيل ما دون السدس، وقيل ما دون العشر. وقال مقاتل والكلبي: المراد بالقليل هنا الثلث، وقد أغنانا عن هذا الاختلاف قوله (نصفه) الخ، وانتصاب نصفه على أنه بدل من الليل. قال الزجاج:
نصفه بدل من الليل، وإلا قليلا استثناء من النصف، والضمير في منه وعليه عائد إلى النصف. والمعنى: قم نصف الليل أو انقص من النصف قليلا إلى الثلث، أو زد عليه قليلا إلى الثلثين، فكأنه قال: قم ثلثي الليل، أو نصفه أو ثلثه. وقيل إن نصفه بدل من قوله قليلا، فيكون المعنى: قم الليل إلا نصفه أو أقل من نصفه أو أكثر من نصفه، قال الأخفش: نصفه أي أو نصفه كما يقال: أعطه درهما درهمين ثلاثة، يريد أو درهمين أو ثلاثة.