قوله (والليل إذا يغشى) أي يغطى بظلمته ما كان مضيئا. قال الزجاج: يغشى الليل الأفق وجميع ما بين السماء والأرض فيذهب ضوء النهار، وقيل يغشى النهار، وقيل يغشى الأرض، والأول أولى (والنهار إذا تجلى) أي ظهر وانكشف ووضح لزوال الظلمة التي كانت في الليل، وذلك بطلوع الشمس (وما خلق الذكر والأنثى) ما هنا هي الموصولة: أي والذي خلق الذكر والأنثى، وعبر عن من بما للدلالة على الوصفية ولقصد التفخيم:
أي والقادر العظيم الذي خلق صنفي الذكر والأنثى. قال الحسن والكلبي: معناه والذي خلق الذكر والأنثى فيكون قد أقسم بنفسه. قال أبو عبيدة: وما خلق: أي ومن خلق، وقال مقاتل: يعني وخلق الذكر والأنثى فتكون " ما " على هذا مصدرية. قال الكلبي ومقاتل: يعني آدم وحواء، والظاهر العموم. قرأ الجمهور " وما خلق الذكر والأنثى " وقرأ ابن مسعود " والذكر والأنثى " بدون ما خلق (إن سعيكم لشتى) هذا جواب القسم: أي إن عملكم لمختلف: فمنه عمل للجنة، ومنه عمل للنار. قال جمهور المفسرين: السعي العمل، فساع في فكاك نفسه، وساع في عطبها، وشتى جمع شتيت: كمرضى ومريض، وقيل للمختلف شتى لتباعد ما بين بعضه وبعض (فأما من أعطى واتقى) أي بذل ماله في وجوه الخير واتقى محارم الله التي نهى عنها (وصدق بالحسنى) أي بالخلف من الله. قال المفسرون: فأما من أعطى المعسرين. وقال قتادة: أعطى حق الله الذي عليه. وقال الحسن: أعطى الصدق من قلبه وصدق بالحسنى: أي بلا إله إلا الله، وبه قال الضحاك والسلمي. وقال مجاهد: بالحسنى بالجنة.
وقال زيد بن أسلم: بالصلاة والزكاة والصوم، والأول أولى. قال قتادة: بالحسنى: أي بموعود الله الذي وعده أن يثيبه. قال الحسن: بالخلف من عطائه، واختار هذا ابن جرير (فسنيسره لليسرى) أي فسنهيئه للخصلة الحسنى، وهي عمل الخير، والمعنى: فسنيسر له الإنفاق في سبيل الخير والعمل بالطاعة لله. قال الواحدي:
قال المفسرون: نزلت هذه الآيات في أبي بكر الصديق اشترى ستة نفر من المؤمنين كانوا في أيدي أهل مكة يعذبونهم في الله (وأما من بخل واستغنى) أي بخل بماله فلم يبذله في سبل الخير، واستغنى: أي زهد في الأجر والثواب، أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الآخرة (وكذب بالحسنى) أي بالخلف من الله عز وجل، وقال مجاهد: بالجنة، وروى عنه أيضا أنه قال: بلا إله إلا الله (فسنيسره للعسرى) أي فسنهيئه للخصلة العسري ونسهلها له حتى تتعسر عليه أسباب الخير والصلاح ويضعف عن فعلها فيؤديه ذلك إلى النار. قال مقاتل:
يعسر عليه أن يعطى خيرا. قيل العسري الشر، وذلك أن الشر يؤدي إلى العذاب، والعسرة في العذاب، والمعنى:
سنهيئه للشر بأن نجريه على يديه. قال الفراء: سنيسره سنهيئه، والعرب تقول: قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة. قال الشاعر:
هما سيدانا يزعمان وإنما * يسوداننا إن يسرت غنماهما (وما يغنى عنه ماله إذا تردى) أي لا يغنى عنه شيئا ماله الذي بخل به، أو أي شئ يغنى عنه إذا تردى:
أي هلك، يقال ردى الرجل يردى ردى، وتردى يتردى: إذا هلك. وقال قتادة: وأبو صالح وزيد بن أسلم: