ولو قال أسفل سافل لجاز، لأن الإنسان باعتبار اللفظ واحد. وقيل معنى رددناه أسفل سأفلين: رددناه إلى الضلال، كما قال - إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات - أي إلا هؤلاء فلا يردون إلى ذلك (فما يكذبك بعد بالدين) الخطاب للإنسان الكافر، والاستفهام للتقريع والتوبيخ وإلزام الحجة: أي إذا عرفت أيها الإنسان أن الله خلقك في أحسن تقويم، وأنه يردك أسفل سافلين، فما يحملك على أن تكذب بالبعث والجزاء؟
وقيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أي أي شئ يكذبك يا محمد بعد ظهور هذه الدلائل الناطقة، فاستيقن مع ما جاءك من الله أنه أحكم الحاكمين. قال الفراء والأخفش: المعنى فمن يكذبك أيها الرسول بعد هذا البيان بالدين، كأنه قال: من يقدر على ذلك؟ أي على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما ظهر من قدرتنا على خلق الإنسان ما ظهر، واختار هذا ابن جرير. والدين الجزاء، ومنه قول الشاعر:
دنا تميما كما كانت أوائلنا * دانت أوائلهم من سالف الزمن وقال الآخر:
ولما صرح الشر * فأمسى وهو عريان ولم يبق سوى العدوان * دناهم كما دانوا (أليس الله بأحكم الحاكمين) أي أليس الذي فعل ما فعل مما ذكرنا بأحكم الحاكمين صنعا وتدبيرا؟ حتى تتوهم عدم الإعادة والجزاء، وفيه وعيد شديد للكفار، ومعنى أحكم الحاكمين: أتقن الحاكمين في كل ما يخلق، وقيل أحكم الحاكمين قضاء وعدلا. والاستفهام إذا دخل على النفي صار الكلام إيجابا كما تقدم تفسير قوله - ألم نشرح لك صدرك -.
وقد أخرج الخطيب وابن عساكر قال السيوطي بسند فيه مجهول عن الزهري عن أنس قال: لما أنزلت سورة التين والزيتون على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرح فرحا شديدا حتى تبين لنا شدة فرحه، فسألنا ابن عباس عن تفسيرها فقال: التين بلاد الشام، والزيتون بلاد فلسطين، وطور سيناء الذي كلم الله عليه موسى وهذا البلد الأمين مكة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) محمدا (ثم رددناه أسفل سافلين) عبدة اللات والعزى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون) أبو بكر وعمر وعثمان وعلى (فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين) إذ بعثك فيهم نبيا وجمعك على التقوى يا محمد، ومثل هذا التفسير من ابن عباس لا تقوم به حجة لما تقدم من كون في إسناده ذلك المجهول. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (والتين والزيتون) قال: مسجد نوح الذي بنى على الجودي، والزيتون قال: بيت المقدس (وطور سنين) قال: مسجد الطور (وهذا البلد الأمين) قال: مكة (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم. ثم رددناه أسفل سافلين) يقول: يرد إلى أرذل العمر كبر حتى ذهب عقله، هم نفر كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين سفهت عقولهم، فأنزل الله عذرهم أن لهم أجرهم الذي عملوا قبل أن تذهب عقولهم (فما يكذبك بعد بالدين) يقول: بحكم الله. وأخرج ابن مردويه عنه نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عنه أيضا (والتين والزيتون) قال: الفاكهة التي يأكلها الناس (وطور سينين) قال: الطور الجبل، والسينين المبارك. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال: سينين هو الحسن. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضا (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) قال في أعدل خلق (ثم رددناه أسفل سافلين) يقول: