سورة الحديد (1 - 6) قوله (سبح لله ما في السماوات والأرض) أي نزهه ومجده. قال المقاتلان: يعني كل شئ من ذي روح وغيره، وقد تقدم الكلام في تسبيح الجمادات عند تفسير قوله - وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم - والمراد بالتسبيح المسند إلى ما في السماوات والأرض من العقلاء وغيرهم والحيوانات والجمادات هو ما يعم التسبيح بلسان المقال كتسبيح الملائكة والإنس والجن، وبلسان الحال كتسبيح غيرهم، فإن كل موجود يدل على الصانع. وقد أنكر الزجاج أن يكون تسبيح غير العقلاء هو تسبيح الدلالة وقال: لو كان هذا تسبيح الدلالة وظهور آثار الصنعة لكانت مفهومة، فلم قال - ولكن لا تفقهون تسبيحهم - وإنما هو تسبيح مقال، واستدل بقوله - وسخرنا مع داود الجبال يسبحن - فلو كان هذا التسبيح من الجبال تسبيح دلالة لم يكن لتخصيص داود فائدة، وفعل التسبيح قد يتعدى بنفسه تارة، كما في قوله - وسبحوه - وباللام أخرى كهذه الآية، وأصله أن يكون متعديا بنفسه، لأن معنى سبحته: بعدته عن السوء، فإذا استعمل باللام فهي إما مزيدة للتأكيد كما في شكرته وشكرت له، أو هي للتعليل: أي افعل التسبيح لأجل الله سبحانه خالصا له، وجاء هذا الفعل في بعض الفواتح ماضيا كهذه الفاتحة، وفي بعضها مضارعا، وفي بعضها أمرا للإشارة إلى أن هذه الأشياء مسبحة في كل الأوقات لا يختص تسبيحها بوقت دون وقت، بل هي مسبحة أبدا في الماضي وستكون مسبحة أبدا في المستقبل (وهو العزيز) أي القادر الغالب الذي لا ينازعه أحد ولا يمانعه ممانع كائنا ما كان (الحكيم) الذي يفعل أفعال الحكمة والصواب (له ملك السماوات والأرض) يتصرف فيه وحده ولا ينفذ غير تصرفه وأمره، وقيل أراد خزائن المطر والنبات وسائر الأرزاق (يحيي ويميت) الفعلان في محل رفع على أنهما خبر مبتدإ محذوف، أو في محل نصب على الحال من ضمير له، أو كلام مستأنف لبيان بعض أحكام الملك، والمعنى: أنه يحيي في الدنيا ويميت الأحياء، وقيل يحيي النطف وهي موات ويميت الأحياء، وقيل يحيي الأموات للبعث (وهو على كل شئ قدير) لا يعجزه شئ كائنا ما كان (هو الأول) قبل كل شئ (والآخر) بعد كل شئ أي الباقي بعد فناء خلقه (والظاهر) العالي الغالب على كل شئ، أو الظاهر وجوده بالأدلة الواضحة (والباطن) أي العالم بما
(١٦٥)