لمياء في شفتيها حوة لعس * وفي اللثات وفي أنيابها شنب (سنقرئك فلا تنسى) أي سنجعلك قارئا بأن نلهمك القراءة فلا تنسى ما تقرؤه، والجملة مستأنفة لبيان هدايته صلى الله عليه وآله وسلم الخاصة به بعد بيان الهداية العامة، وهي هدايته صلى الله عليه وآله وسلم لحفظ القرآن.
قال مجاهد والكلبي: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا نزل عليه جبريل بالوحي لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأولها مخافة أن ينساها، فنزلت (سنقرئك فلا تنسى) وقوله (إلا ما شاء الله) استثناء مفرغ من أعم المفاعيل: أي لا تنسى مما تقرؤه شيئا من الأشياء إلا ما شاء الله أن تنساه. قال الفراء: وهو لم يشأ سبحانه أن ينسى محمد صلى الله عليه وآله وسلم شيئا كقوله - خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك - وقيل إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك، فإذن قد نسى ولكنه يتذكر ولا ينسى شيئا نسيانا كليا. وقيل بمعنى النسخ: أي إلا ما شاء الله أن ينسخه مما نسخ تلاوته. وقيل معنى فلا تنسى: فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن تتركه لنسخه ورفع حكمه. وقيل المعنى: إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله. وقيل " لا " في قوله (فلا تنسى) للنهي. والألف مزيدة لرعاية الفاصلة، كما في قوله - فأضلونا السبيلا - يعني فلا تغفل قراءته وتذكره (إنه يعلم الجهر وما يخفى) الجملة تعليل لما قبلها: أي يعلم ما ظهر وما بطن والإعلان والإسرار، وظاهره العموم فيندرج تحته ما قيل إن الجهر ما حفظه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من القرآن، وما يخفى هو ما نسخ من صدره، ويدخل تحته أيضا ما قيل من أن الجهر هو إعلان الصدقة، وما يخفى هو إخفاؤها، ويدخل تحته أيضا ما قيل إن الجهر جهره صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن مع قراءة جبريل مخافة أن يتفلت عليه، وما يخفى ما في نفسه مما يدعوه إلى الجهر (ونيسرك لليسرى) معطوف على سنقرئك، وما بينهما اعتراض. قال مقاتل: أي نهون عليك عمل الجنة، وقيل نوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل، وقيل للشريعة اليسرى، وهي الحنيفية السهلة، وقيل نهون عليك الوحي حتى تحفظه وتعمل به، والأولى حمل الآية على العموم: أي نوفقك للطريقة اليسرى في الدين والدنيا في كل أمر من أمورهما التي تتوجه إليك (فذكر إن نفعت الذكرى) أي عظ يا محمد الناس بما أوحينا إليك وأرشدهم إلى سبل الخبر واهدهم إلى شرائع الدين. قال الحسن: تذكرة للمؤمن وحجة على الكافر. قال الواحدي: إن نفعت أو لم تنفع، لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث مبلغا للإعذار والإنذار، فعليه التذكير في كل حال نفع أو لم ينفع، ولم يذكر الحالة الثانية كقوله - سرابيل تقيكم الحر - الآية. قال الجرجاني: التذكير واجب وإن لم ينفع، فالمعنى: إن نفعت الذكرى أو لم تنفع. وقيل إنه مخصوص في قوم بأعيانهم، وقيل إن بمعنى ما: أي فذكر ما نفعت الذكرى، لأن الذكرى نافعة بكل حال، وقيل إنها بمعنى قد، وقيل إنها بمعنى إذ. وما قاله الواحدي والجرجاني أولى وقد سبقهما إلى القول به الفراء والنحاس. قال الرازي: إن قوله (إن نفعت الذكرى) للتنبيه على أشرف الحالين وهو وجود النفع الذي لأجله شرعت الذكرى، والمعلق بإن على الشئ لا يلزم أن يكون عدما عند عدم ذلك الشئ، ويدل عليه آيات: منها هذه الآية، ومنها قوله تعالى - واشكروا الله إن كنتم إياه تعبدون - ومنها قوله - ولا جناح عليكم أن تقصروا من الصلاة إن خفتم - فإن القصر جائز عند الخوف وعدمه، ومنها قوله - فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود الله - والمراجعة جائزة بدون هذا الظن، فهذا الشرط فيه فوائد: منها ما تقدم، ومنها للبعث على الانتفاع بالذكرى كما يقول الرجل لمن يرشده: قد أوضحت لك إن كنت تعقل، وهو تنبيه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على أنها لا تنفعهم الذكرى، أو يكون هذا في تكرير الدعوة، فأما الدعاء الأول فعام انتهى. ثم بين سبحانه الفرق بين من تنفعه الذكرى ومن لا تنفعه فقال (سيذكر