الشائب، فالعجب لمن قال بهذا، وقد قال تعالى (جمالات صفر). وأجيب بأن وجهة أن النار خلقت من النور فهي مضيئة، فلما خلق الله جهنم، وهي موضع النار حشي ذلك الموضع بتلك النار، وبعث إليها سلطانه وغضبه فاسودت من سلطانه وازدادت سوادا، وصارت أشد سوادا من كل شئ فيكون شررها أسود لأنه من نار سوداء.
قلت: وهذا الجواب لا يدفع ما قاله القائل، لأن كلامه باعتبار ما وقع في الكتاب العزيز هنا من وصفها بكونها صفراء، فلو كان الأمر كما ذكره المجيب من اسوداد النار، واسوداد شررها، لقال الله: كأنها جمالات سود، ولكن إذا كانت العرب تسمى الأسود أصفر لم يبق إشكال، لأن القرآن نزل بلغتهم، وقد نقل الثقات عنهم ذلك، فكان ما في القرآن هنا واردا على هذا الاستعمال العربي (ويل يومئذ للمكذبين) لرسل الله وآياته (هذا يوم لا ينطقون) أي لا يتكلمون قال الواحدي: قال المفسرون: في يوم القيامة مواقف، ففي بعضها يتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم فلا يتكلمون، وقد قدمنا الجمع بهذا في غير موضع. وقيل إن هذا إشارة إلى وقت دخولهم النار وهم عند ذلك لا ينطقون، لأن مواقف السؤال والحساب قد انقضت. وقال الحسن: لا ينطقون بحجة وإن كانوا ينطقون. قرأ الجمهور برفع " يوم " على أنه خبر لاسم الإشارة. وقرأ زيد بن علي والأعرج والأعمش وأبو حيوة وعاصم في رواية عنه بالفتح على البناء لإضافته إلى الفعل، ومحله الرفع على الخبرية، وقيل هو منصوب على الظرفية، والإشارة بهذا إلى ما تقدم من الوعيد كأنه قيل هذا العقاب المذكور كائن يوم لا ينطقون (ولا يؤذن لهم فيعتذرون) قرأ الجمهور " يؤذن " على البناء للمفعول، وقرأ زيد بن علي " ولا يأذن " على البناء للفاعل: أي لا يأذن الله لهم: أي لا يكون لهم إذن من الله فيكون لهم اعتذار من غير أن يجعل الاعتذار مسببا عن الاذن كما لو نصب. قال الفراء: الفاء في فيعتذرون نسق على يؤذن وأجيز ذلك لأن أواخر الكلام بالنون، ولو قال فيعتذروا لم يوافق الآيات، وقد قال - لا يقضى عليهم فيموتوا - بالنصب، والكل صواب (ويل يومئذ للمكذبين) بما دعتهم إليه الرسل وأنذرتهم عاقبته (هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين) أي ويقال لهم: هذا يوم الفصل الذي يفصل فيه بين الخلائق ويتميز فيه الحق من الباطل، والخطاب في جمعناكم للكفار في زمن نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمراد بالأولين كفار الأمم الماضية (فإن كان لكم كيد) أي إن قدرتم على كيد الآن (فكيدون) وهذا تقريع وتوبيخ لهم، قال مقاتل: يقول إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم، وقيل المعنى: فإن قدرتم على حرب فحاربون، أو وقيل إن هذا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيكون كقول هود - فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون - (ويل يومئذ للمكذبين) لأنه قد ظهر لهم عجزهم وبطلان ما كانوا عليه في الدنيا. ثم ذكر سبحانه المؤمنين فقال (إن المتقين في ظلال وعيون) أي في ظلال الأشجار وظلال القصور، لا كالظل الذي للكفار من الدخان، أو من النار كما تقدم. قال مقاتل والكلبي: المراد بالمتقين الذين يتقون الشرك بالله، لأن السورة من أولها إلى آخرها في تقريع الكفار على كفرهم. قال الرازي: فيجب أن تكون هذه الآية مذكورة لهذا الغرض وإلا لتفككت السورة في نظمها وترتيبها وإنما يتم النظم بأن يكون الوعد للمؤمنين بسبب إيمانهم، فأما جعله سببا للطاعة فلا يليق بالنظم كذا قال، والمراد بالعيون الأنهار، وبالفواكه ما يتفكه به مما تطلبه أنفسهم وتستدعيه شهواتهم (كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون) أي يقال لهم ذلك، فالجملة مقدرة بالقول، وهي في محل نصب على الحال من ضمير المتقين، والباء للسببية: أي بسبب ما كنتم تعملونه في الدنيا من الأعمال الصالحة (إنا كذلك نجزي المحسنين) أي مثل ذلك الجزاء العظيم نجزي المحسنين في أعمالهم، قرأ الجمهور