قوله (قال نوح رب إنهم عصوني) أي استمروا على عصياني ولم يجيبوا دعوتي، شكاهم إلى الله عز وجل، أخبره بأنهم عصوه ولم يتبعوه وهو أعلم بذلك (واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا) أي اتبع الأصاغر رؤساءهم، وأهل الثروة منهم الذين لم يزدهم كثرة المال والولد إلا ضلالا في الدنيا وعقوبة في الآخرة. قرأ أهل المدينة والشام وعاصم وولده بفتح الواو واللام. وقرأ الباقون بسكون اللام، وهي لغة في الولد، ويجوز أن يكون جمعا، وقد تقدم تحقيقه، ومعنى واتبعوا: أنهم استمروا على اتباعهم لا أنهم أحدثوا الاتباع (ومكروا مكرا كبارا) أي مكرا كبيرا عظيما، يقال: كبير وكبار وكبار مثل عجيب وعجاب وعجاب، وجميل وجمال وجمال. قال المبرد: كبارا بالتشديد للمبالغة، ومثل كبارا قراء لكثير القراءة، وأنشد ابن السكيت:
بيضاء تصطاد القلوب وتستبي * بالحسن قلب المسلم القراء قرأ الجمهور " كبارا " بالتشديد. وقرأ ابن محيصن وحميد ومجاهد بالتخفيف. قال أبو بكر: هو جمع كبير كأنه جعل مكرا مكان ذنوب أو أفاعيل، فلذلك وصفه بالجمع. وقال عيسى بن عمر: هي لغة يمانية.
واختلف في مكرهم هذا ما هو؟ فقيل هو تحريشهم سفلتهم على قتل نوح، وقيل هو تغريدهم على الناس بما أوتوا من المال والولد حتى قال الضعفة: لولا أنهم على الحق لما أوتوا هذه النعم. وقال الكلبي: هو ما جعلوه لله من الصاحبة والولد. وقال مقاتل: هو قول كبرائهم لأتباعهم لا تذرن آلهتكم، وقيل مكرهم كفرهم (وقالوا لا تذرن آلهتكم) أي لا تتركوا عبادة آلهتكم، وهي الأصنام والصور التي كانت لهم، ثم عبدتها العرب من بعدهم، وبهذا قال الجمهور (ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا) أي لا تتركوا عبادة هذه. قال محمد ابن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فنشأ بعدهم قوم يقتدون بهم في العبادة، فقال لهم إبليس: لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأسوق إلى العبادة، ففعلوا، ثم نشأ قوم من بعدهم فقال لهم إبليس:
إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فاعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك الوقت، وسميت هذه الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صورة أولئك القوم. وقال عروة بن الزبير وغيره: إن هذه كانت أسماء لأولاد آدم، وكان ود أكبرهم. قال الماوردي: فأما ود فهو أول صنم معبود، سمى ودا لودهم له، وكان بعد قوم نوح لكلب بدومة الجندل في قول ابن عباس وعطاء ومقاتل، وفيه يقول شاعرهم: