عذابا شديد الألم. ثم ذكر سبحانه الذين أخلصوا نياتهم وشهدوا بيعة الرضوان، فقال (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) أي رضي الله عنهم وقت تلك البيعة، وهي بيعة الرضوان، وكانت بالحديبية، والعامل في - تحت - إما يبايعونك، أو محذوف على أنه حال من المفعول، وهذه الشجرة المذكورة هي شجرة كانت بالحديبية وقيل سدرة، وكانت البيعة على أن يقاتلوا قريشا ولا يفروا. وروى أنه بايعهم على الموت، وقد تقدم ذكر عدد أهل هذه البيعة قريبا، والقصة مبسوطة في كتب الحديث والسير (فعلم ما في قلوبهم) معطوف على يبايعونك.
قال الفراء: أي علم ما في قلوبهم من الصدق والوفاء. وقال قتادة وابن جريج: من الرضى بأمر البيعة على أن لا يفروا. وقال مقاتل: من كراهة البيعة على الموت (فأنزل السكينة عليهم) معطوف على رضى، والسكينة:
الطمأنينة وسكون النفس كما تقدم، وقيل الصبر (وأثابهم فتحا قريبا) هو فتح خيبر عند انصرافهم من الحديبية.
قاله قتادة وابن أبي ليلى وغيرهما، وقيل فتح مكة، والأول أولى (ومغانم كثيرة يأخذونها) أي وأثابكم مغانم كثيرة، أو وآتاكم، وهي غنائم خيبر، والالتفات لتشريفهم بالخطاب (وكان الله عزيزا حكيما) أي غالبا مصدرا أفعاله وأقواله على أسلوب الحكمة (وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها) في هذا وعد منه سبحانه لعباده المؤمنين بما سيفتحه عليهم من الغنائم إلى يوم القيامة يأخذونها في أوقاتها التي قدر وقوعها فيها (فعجل لكم هذه) أي غنائم خيبر، قاله مجاهد وغيره، وقيل صلح الحديبية (وكف أيدي الناس عنكم) أي وكف أيدي قريش عنكم يوم الحديبية بالصلح، وقيل كف أيدي أهل خيبر وأنصارهم عن قتالكم وقذف في قلوبهم الرعب. وقال قتادة: كف أيدي اليهود عن المدينة بعد خروج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحديبية وخيبر، ورجح هذا ابن جرير، قال: لأن كف أيدي الناس بالحديبية مذكور في قوله - وهو الذي كف أيديهم عنكم - وقيل كف أيدي الناس عنكم: يعني عيينة بن حصن الفزاري، وعوف بن مالك النضري ومن كان معهما، إذ جاءوا لينصروا أهل خيبر عند حصار النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم (ولتكون آية للمؤمنين) اللام يجوز أن تتعلق بفعل محذوف يقدر بعده: أي فعل ما فعل من التعجيل والكف لتكون آية، أو على علة محذوفة تقديرها وعد فعجل وكف لتنتفعوا بذلك ولتكون آية. وقيل إن الواو مزيدة واللام لتعليل ما قبله: أي وكف لتكون، والمعنى: ذلك الكف آية يعلم بها صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جميع ما يعدكم به (ويهديكم صراطا مستقيما) أي يزيدكم بتلك الآية هدى، أو يثبتكم على الهداية إلى طريق الحق (وأخرى لم تقدروا عليها) معطوف على هذه: أي فجعل لكم هذه المغانم، ومغانم أخرى لم تقدروا عليها، وهي الفتوح التي فتحها الله على المسلمين من بعد كفارس والروم ونحوهما، كذا قال الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى. وقال الضحاك وابن زيد وابن أبي إسحاق: هي خيبر وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها ولم يكونوا يرجونها. وقال قتادة: فتح مكة. وقال عكرمة: حنين، والأول أولى (قد أحاط الله بها) صفة ثانية لأخرى. قال الفراء: أحاط الله بها لكم حتى تفتحوها وتأخذوها، والمعنى، أنه أعدها لهم وجعلها كالشئ الذي قد أحيط به من جميع جوانبه، فهو محصور لا يفوت منه شئ، فهم وإن لم يقدروا عليها في الحال فهي محبوسة لهم لا تفوتهم، وقيل معنى أحاط: علم أنها ستكون لهم (وكان الله على كل شئ قديرا) لا يعجزه شئ ولا تختص قدرته ببعض المقدورات دون بعض (ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار) قال قتادة يعني كفار قريش بالحديبية، وقيل أسد وغطفان الذين أرادوا نصر أهل خيبر، والأول أولى (ثم لا يجدون وليا) يواليهم على قتالكم (ولا نصيرا) ينصرهم عليكم (سنة الله التي قد خلت من قبل)) أي طريقته وعادته التي قد مضت في الأمم من نصر أوليائه على أعدائه، وانتصاب سنة على المصدرية بفعل محذوف: أي بين الله سنة الله،