المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم، فأنزل الله هذه الآيات، ومعنى (أينما كانوا) إحاطة علمه بكل تناج يكون منهم في أي مكان من الأمكنة (ثم ينبئهم) أي يخبرهم (بما عملوا يوم القيامة) توبيخا لهم وتبكيتا وإلزاما للحجة (إن الله بكل شئ عليم) لا يخفى عليه شئ كائنا ما كان (ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه) هؤلاء الذين نهوا، ثم عادوا لما نهوا عنه هم من تقدم ذكره من المنافقين واليهود. قال مقاتل: كان بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين اليهود مواعدة، فإذا مر بهم الرجل من المؤمنين تناجوا بينهم حتى يظن المؤمن شرا، فنهاهم الله فلم ينتهوا، فنزلت. وقال ابن زيد: كان الرجل يأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيسأله الحاجة ويناجيه والأرض يومئذ حرب فيتوهمون أنه يناجيه في حرب أو بلية أو أمر مهم فيفزعون لذلك (ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول) قرأ الجمهور " يتناجون " بوزن يتفاعلون، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم لقوله فيما بعد (إذا تناجيتم فلا تتناجوا). وقرأ حمزة وخلف وورش عن يعقوب " وينتجون " بوزن يفتعلون، وهي قراءة ابن مسعود وأصحابه، وحكى سيبويه أن تفاعلوا وافتعلوا يأتيان بمعنى واحد نحو تخاصموا واختصموا وتقاتلوا واقتتلوا، ومعنى الإثم ما هو إثم في نفسه كالكذب والظلم، والعدوان ما فيه عدوان على المؤمنين ومعصية الرسول مخالفته. قرأ الجمهور " ومعصية " بالإفراد. وقرأ الضحاك وحميد ومجاهد " ومعصيات " بالجمع (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) قال القرطبي: إن المراد بها اليهود كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيقولون السام عليك يريدون بذلك السلام ظاهرا وهم يعنون الموت باطنا، فيقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: عليكم، وفي رواية أخرى وعليكم (ويقولون في أنفسهم) أي فيما بينهم (لولا يعذبنا الله بما نقول) أي هلا يعذبنا بذلك، ولو كان محمد نبيا لعذبنا بما يتضمنه قولنا من الاستخفاف به، وقيل المعنى: لو كان نبيا لاستجيب له فينا حيث يقول وعليكم ووقع علينا الموت عند ذلك (حسبهم جهنم) عذابا (يصلونها) يدخلونها (فبئس المصير) أي المرجع، وهو جهنم (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول) لما فرغ سبحانه عن نهي اليهود والمنافقين عن النجوى أرشد المؤمنين إذا تناجوا فيما بينهم أن لا يتناجوا بما فيه إثم وعدوان ومعصية لرسول الله كما يفعله اليهود والمنافقون. ثم بين لهم ما يتناجون به في أنديتهم وخلواتهم فقال (وتناجوا بالبر والتقوى) أي بالطاعة وترك المعصية، وقيل الخطاب للمنافقين، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا ظاهرا أو بزعمهم، واختار هذا الزجاج، وقيل الخطاب لليهود، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا بموسى، والأول أولى، ثم خوفهم سبحانه فقال (واتقوا الله الذي إليه تحشرون) فيجزيكم بأعمالكم. ثم بين سبحانه أن ما يفعله اليهود والمنافقون من التناجي هو من جهة الشيطان، فقال (إنما النجوى) يعنى بالإثم والعدوان ومعصية الرسول (من الشيطان) لا من غيره: أي من تزيينه وتسويله (ليحزن الذين آمنوا) أي لأجل أن يوقعهم في الحزن بما يحصل لهم من التوهم أنها في مكيدة يكادون بها (وليس بضارهم شيئا) أو وليس الشيطان أو التناجي الذي يزينه الشيطان بضار المؤمنين شيئا من الضرر (إلا بإذن الله) أي بمشيئته، وقيل بعلمه (وعلى الله فليتوكل المؤمنون) أي يكلون أمرهم إليه ويفوضونه في جميع شؤونهم ويستعيذون بالله من الشيطان ولا يبالون بما يزينه من النجوى.
وقد أخرج أحمد وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الشعب. قال السيوطي بسند جيد عن ابن عمر: إن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: السام عليك، يريدون بذلك شتمه، ثم يقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول، فنزلت هذه الآية (وإذا جاءوك حيوك بما لم يحيك به الله) وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري والترمذي وصححه عن أنس " أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله