بإضمار أذكر، والراجفة المضطربة، يقال رجف يرجف: إذا اضطرب، والمراد هنا الصيحة العظيمة التي فيها تردد واضطراب كالرعد، وهي النفخة الأولى التي يموت بها جميع الخلائق، والرادفة: النفخة الثانية التي تكون عند البعث، وسميت رادفة لأنها ردفت النفخة الأولى، كذا قال جمهور المفسرين. وقال ابن زيد: الراجفة الأرض، والرادفة الساعة. وقال مجاهد: الرادفة الزلزلة تتبعها الرادفة الصيحة، وقيل الراجفة اضطراب الأرض والرادفة الزلزلة، وأصل الرجفة الحركة، وليس المراد التحرك هنا فقط، بل الراجفة هنا مأخوذة من قولهم:
رجف الرعد يرجف رجفا ورجيفا: إذا ظهر صوته، ومنه سميت الأراجيف لاضطراب الأصوات بها وظهور الأصوات فيها، ومنه قول الشاعر:
أبا لأراجيف يا ابن اللؤم توعدني * وفي الأراجيف خلت اللؤوم والخورا لأنه ومحل (تتبعها الرادفة) النصب على الحال من الراجفة، والمعنى: لتبعثن يوم النفخة الأولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها (قلوب يومئذ واجفة) قلوب مبتدأ، ويومئذ منصوب بواجفة، وواجفة صفة قلوب، وجملة (أبصارها خاشعة) خبر قلوب والراجفة المضطربة القلقة لما عاينت من أهوال يوم القيامة. قال جمهور المفسرين: أي خائفة وجلة. وقال السدي: زائلة عن أماكنها، نظيره - إذ القلوب لدى الحناجر - وقال المؤرج: قلقة مستوفرة.
وقال المبرد: مضطربة، يقال وجف القلب يجف وجيفا: إذا خفق كما يقال وجب يجب وجيبا، والإيجاف:
السير السريع، فأصل الوجيف اضطراب القلب، ومنه قول قيس بن الخطيم:
إن بنى جحجبى وقومهم * أكبادنا من ورائهم تجف * أبصارها خاشعة: أي أبصار أصحابها، فحذف المضاف، والخاشعة الذليلة، والمراد أنها تظهر عليهم الذلة والخضوع عند معاينة أهوال يوم القيامة كقوله - خاشعين من الذل - قال عطاء: يريد أبصار من مات على غير الإسلام، ويدل على هذا أن السياق في منكري البعث (يقولون ءإنا لمردودون في الحافرة) هذا حكاية لما يقوله المنكرون للبعث إذا قيل لهم إنكم تبعثون: أي أنرد إلى أول حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء بعد موتنا، يقال رجع فلان في حافرته: أي رجع من حيث جاء، والحافرة عند العرب اسم لأول الشئ وابتداء الأمر، ومنه قولهم رجع فلان على حافرته: أي على الطريق الذي جاء منه، ويقال اقتتل القوم عند الحافرة: أي عند أول ما التقوا وسميت الطريق التي جاء منها حافرة لتأثيره فيها بمشيه فيها فهي حافرة بمعنى محفورة، ومن هذا قول الشاعر:
أحافرة على صلع وشيب * معاذ الله من سفه وعار أي أأرجع إلى ما كنت عليه في شبابي من الغزل بعد الشيب والصلع، وقيل الحافرة: العاجلة، والمعنى: إنا لمردودون إلى الدنيا، وقيل الحافرة: الأرض التي تحفر فيها قبورهم، ومنه قول الشاعر:
آليت لا أنساكم فاعلموا * حتى يرد الناس في الحافره والمعنى: إنا لمردودون في قبورنا أحياء، كذا قال الخليل والفراء، وبه قال مجاهد: وقال ابن زيد: الحافرة النار، واستدل بقوله (تلك إذا كرة خاسرة). قرأ الجمهور " في الحافرة " وقرأ أبو حيوة " في الحفرة " (إذا كنا عظاما نخرة) أي بالية متفتتة، يقال نخر العظم بالكسر: إذا بلى، وهذا تأكيد لإنكار البعث: أي كيف نرد أحياء ونبعث إذا كنا عظاما نخرة، والعامل في إذا مضمر يدل عليه مردودون: أي أئذا كنا عظاما بالية نرد ونبعث مع كونها أبعد شئ من الحياة. قرأ الجمهور " نخرة " وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر " ناخرة " واختار القراءة