قوله (سأل سائل بعذاب واقع) قرأ الجمهور " سأل " بالهمزة، وقرأ نافع وابن عامر بغير همزة، فمن همز فهو من السؤال وهي اللغة الفاشية، وهو إما مضمن معنى الدعاء، فلذلك عدى بالباء كما تقول دعوت لكذا، والمعنى: دعا داع على نفسه بعذاب واقع، ويجوز أن يكون على أصله والباء بمعنى عن كقوله - فاسئل به خبيرا - ومن لم يهمز، فهو إما من باب التخفيف بقلب الهمزة ألفا، فيكون معناها معنى قراءة من همز، أو يكون من السيلان، والمعنى: سال واد في جهنم يقال له سائل كما قال زيد بن ثابت. ويؤيد قراءة ابن عباس " سال سيل " وقيل إن سال بمعنى التمس، والمعنى: التمس ملتمس عذابا للكفار، فتكون الباء زائدة كقوله - تنبت بالدهن - والوجه الأول هو الظاهر. وقال الأخفش: يقال خرجنا نسأل عن فلان وبفلان. قال أبو علي الفارسي: وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين، ويجوز الاقتصار على أحدهما ويتعدى إليه بحرف الجر، وهذا السائل هو النضر بن الحارث حين قال - اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم - وهو ممن قتل يوم بدر صبرا، وقيل هو أبو جهل، وقيل هو الحارث بن النعمان الفهري.
والأول أولى لما سيأتي. وقرأ أبي وابن مسعود " سال سال " مثل مال مال على أن الأصل سائل، فحذفت العين تخفيفا، كما قيل شاك في شائك السلاح. وقيل السائل هو نوح عليه السلام، سأل العذاب للكافرين، وقيل هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعا بالعقاب عليهم، وقوله (بعذاب واقع) يعني إما في الدنيا كيوم بدر، أو في الآخرة، وقوله (للكافرين) صفة أخرى لعذاب: أي كائن للكافرين، أو متعلق بواقع، واللام للعلة، أو يسأل على تضمينه معنى دعا، أو في محل رفع على تقدير: هو للكافرين، أو تكون اللام بمعنى على، ويؤيده قراءة أبي بعذاب واقع على الكافرين. قال الفراء: التقدير بعذاب للكافرين واقع بهم، فالواقع من نعت العذاب، وجملة (ليس له دافع) صفة أخرى لعذاب، أو حال منه، أو مستأنفة، والمعنى: أنه لا يدفع ذلك العذاب الواقع به أحد، وقوله (من الله) متعلق بواقع: أي واقع من جهته سبحانه، أو بدافع: أي ليس له دافع من جهته تعالى (ذي المعارج) أي ذي الدرجات التي تصعد فيها الملائكة، وقال الكلبي: هي السماوات، وسماها معارج لأن الملائكة تعرج فيها، وقيل المعارج مراتب نعم الله سبحانه على الخلق، وقيل المعارج العظمة، وقيل هي الغرف. وقرأ ابن مسعود " ذي المعاريج " بزيادة الياء، يقال معارج ومعاريج مثل مفاتح ومفاتيح (تعرج الملائكة والروح إليه) أي تصعد في تلك المعارج التي جعلها الله لهم، وقرأ الجمهور " تعرج " بالفوقية، قرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائي والسلمي بالتحتية، والروح جبريل، أفرد بالذكر بعد الملائكة لشرفه، ويؤيد هذا قوله - نزل به الروح الأمين - وقيل الروح هنا ملك آخر عظيم غير جبريل. وقال أبو صالح: إنه خلق من خلق الله سبحانه كهيئة الناس وليسوا من الناس. وقال قبيصة بن ذؤيب: إنه روح الميت حين تقبض، والأول أولى. ومعنى " إليه " أي إلى المكان الذي ينتهون إليه، وقيل إلى عرشه، وقيل هو كقول إبراهيم - إني ذاهب إلى ربي - أي إلى حيث أمرني ربي (في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) قال ابن إسحاق والكلبي ووهب بن منبه:
أي عرج الملائكة إلى المكان الذي هو محلها في وقت كان مقداره على غيرهم لو صعد خمسين ألف سنة، وبه قال مجاهد. وقال عكرمة، وروى عن مجاهد أن مدة عمر الدنيا هذا المقدار لا يدري أحد كم مضى ولا كم بقي، ولا يعلم ذلك إلا الله. وقال قتادة والكلبي ومحمد بن كعب: إن المراد يوم القيامة، يعني أن مقدار الأمر فيه لو تولاه غيره سبحانه خمسون ألف سنة، وهو سبحانه يفرغ منه في ساعة، وقيل إن مدة موقف العباد للحساب هي هذا المقدار، ثم يستقر بعد ذلك أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار. وقيل إن مقدار يوم القيامة على الكافرين