الخط حرفا حرفا، والمعنى: أنه كرر الدك عليها حتى صارت هباء منبثا (وجاء ربك) أي جاء أمره وقضاؤه، وظهرت آياته، وقيل المعنى: أنها زالت الشبه في ذلك اليوم وظهرت المعارف وصارت ضرورية كما يزول الشك عند مجئ الشئ الذي كان يشك فيه، وقيل جاء قهر ربك وسلطانه وانفراده بالأمر والتدبير من دون أن يجعل إلى أحد من عباده شيئا من ذلك (والملك صفا صفا) انتصاب صفا صفا على الحال: أي مصطفين، أو ذوي صفوف. قال عطاء: يريد صفوف الملائكة، وأهل كل سماه صف على حدة. قال الضحاك: أهل كل سماء إذا نزلوا يوم القيامة كانوا صفا محيطين بالأرض ومن فيها، فيكونون سبعة صفوف (وجئ يومئذ بجهنم) يومئذ منصوب بجئ، والقائم مقام الفاعل بجهنم، وجوز مكي أن يكون يومئذ هو القائم مقام الفاعل، وليس بذاك. قال الواحدي: قال جماعة من المفسرين: جئ بها يوم القيامة مزمومة بسبعين ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها حتى تنصب عن يسار العرش، فلا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا لركبتيه يقول يا رب نفسي نفسي. وسيأتي الذي هذا نقله عن جماعة المفسرين مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن شاء الله (يومئذ يتذكر الإنسان) يومئذ هذا بدل من يومئذ الذي قبله: أي يوم جئ بجهنم يتذكر الإنسان: أي يتعظ ويذكر ما فرط منه ويندم على ما قدمه في الدنيا من الكفر والمعاصي. وقيل إن قوله " يومئذ " الثاني بدل من قوله " إذا دكت " والعامل فيهما هو قوله " يتذكر الإنسان " (وأني له الذكرى) أي ومن أين له التذكر والاتعاظ، وقيل هو على حذف مضاف: أي ومن أين له منفعة الذكرى. قال الزجاج: يظهر التوبة ومن أين له التوبة؟
(يقول يا ليتني قدمت لحياتي) الجملة مستأنفة جواب سؤال مقدر، كأنه قيل: ماذا يقول الإنسان، ويجوز أن تكون بدل اشتمال من قوله: يتذكر، والمعنى: يتمنى أنه قدم الخير والعمل الصالح، واللام في لحياتي بمعنى لأجل حياتي، والمراد حياة الآخرة، فإنها الحياة بالحقيقة، لأنها دائمة غير منقطعة. وقيل إن اللام بمعنى في، والمراد حياة الدنيا: أي يا ليتني قدمت الأعمال الصالحة في وقت حياتي في الدنيا أنتفع بها هذا اليوم، والأول أولى. قال الحسن: علم والله أنه صادف حياة طويلة لا موت فيها (فيومئذ لا يعذب عذابه أحد) أي يوم يكون زمان ما ذكر من الأحوال لا يعذب كعذاب الله أحد (ولا يوثق) ك (وثاقه أحد) أو لا يتولى عذاب الله ووثاقه أحد سواه إذ الأمر كله له، والضميران على التقديرين في عذابه ووثاقه لله عز وجل، وهذا على قراءة الجمهور يعذب ويوثق مبنيين للفاعل. وقرأ الكسائي على البناء للمفعول فيهما، فيكون الضميران راجعين إلى الإنسان: أي لا يعذب كعذاب ذلك الإنسان أحد ولا يوثق كوثاقه أحد، والمراد بالإنسان الكافر: أي لا يعذب من ليس بكافر كعذاب الكافر، وقيل إبليس، وقيل المراد به أبي بن خلف. قال الفراء: المعنى أنه لا يعذب كعذاب هذا الكافر المعين أحد، ولا يوثق بالسلاسل والأغلال كوثاقه أحد لتناهيه في الكفر والعناد. وقيل المعنى: أنه لا يعذب مكانه أحد ولا يوثق مكانه أحد، فلا تؤخذ منه فدية، وهو كقوله - ولا تزر وازرة وزر أخرى - والعذاب بمعنى التعذيب، والوثاق بمعنى التوثيق، واختار أبو عبيد وأبو حاتم قراءة الكسائي، قال: وتكون الهاء في الموضعين ضمير الكافر، لأنه معروف أنه لا يعذب أحد كعذاب الله. قال أبو علي الفارسي: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة: أي لا يعذب أحد أحدا مثل تعذيب هذا الكافر. ولما فرغ سبحانه من حكاية أحوال الأشقياء ذكر بعض أحوال السعداء فقال (يا أيتها النفس المطمئنة) المطمئنة هي الساكنة الموقنة بالإيمان وتوحيد الله، الواصلة إلى ثلج اليقين بحيث لا يخالطها شك ولا يعتريها ريب. قال الحسن: هي المؤمنة الموقنة.
وقال مجاهد: الراضية بقضاء الله التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وأن ما أصابها لم يكن ليخطئها.