إلى حسابها، وقيل اللوح المحفوظ، والأول أولى. قرأ الجمهور " كل أمة " بالرفع على الابتداء، وخبره: تدعى، وقرأ يعقوب الحضرمي بالنصب على البدل من كل أمة (اليوم تجزون ما كنتم تعملون) أي يقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون من خير وشر (هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق) هذا من تمام ما يقال لهم، والقائل بهذا هم الملائكة وقيل هو من قول الله سبحانه: أي يشهد عليكم، وهو استعارة، يقال نطق الكتاب بكذا: أي بين، وقيل إنهم يقرؤونه فيذكرون ما عملوا، فكأنه ينطق عليهم بالحق الذي لا زيادة فيه ولا نقصان، ومحل ينطق النصب على الحال، أو الرفع على أنه خبر آخر لاسم الإشارة، وجملة (إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون) تعليل للنطق بالحق أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم: أي بكتبها وتثبيتها عليكم، قال الواحدي: وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ، فإن الملائكة تكتب منه كل عام ما يكون من أعمال بني آدم فيجدون ذلك موافقا لما يعملونه قالوا: لأن الاستنساخ لا يكون إلا من أصل. وقيل المعنى: نأمر الملائكة بنسخ ما كنتم تعملون. وقيل إن الملائكة تكتب كل يوم ما يعمله العبد، فإذا رجعوا إلى مكانهم نسخوا منه الحسنات والسيئات وتركوا المباحات. وقيل إن الملائكة إذا رفعت أعمال العباد إلى الله سبحانه أمر عز وجل أن يثبت عنده منها ما فيه ثواب وعقاب، ويسقط منها مالا ثواب فيه ولا عقاب (فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته) أي الجنة، وهذا تفصيل لحال الفريقين، فالمؤمنون يدخلهم الله برحمته الجنة (ذلك) أي الإدخال في رحمته (هو الفوز المبين) أي الظاهر الواضح (وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) أي فيقال لهم ذلك، وهو استفهام توبيخ، لأن الرسل قد أتتهم وتلت عليهم آيات الله، فكذبوها ولم يعملوا بها (فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين) أي تكبرتم عن قبولها وعن الإيمان بها، وكنتم من أهل الإجرام، وهي الآثام، والاجترام الاكتساب، يقال فلان جريمة أهله: إذا كان كاسبهم، فالمجرم من كسب الآثام بفعل المعاصي (وإذا قيل إن وعد الله حق) أي وعده بالبعث والحساب أو بجميع ما وعد به من الأمور المستقبلة واقع لا محالة (والساعة) أي القيامة (لا ريب فيها) أي في وقوعها. قرأ الجمهور " والساعة " بالرفع على الابتداء، أو العطف على موضع اسم إن، وقرأ حمزة بالنصب عطفا على اسم إن (قلتم ما ندري ما الساعة) أي أي شئ هي؟ (إن نظن إلا ظنا) أي نحدس حدسا ونتوهم توهما. قال المبرد:
تقديره: إن نحن إلا نظن ظنا، وقيل التقدير: إن نظن إلا أنكم تظنون ظنا، وقيل إن نظن مضمن معنى نعتقد:
أي ما نعتقد إلا ظنا لا علما، وقيل إن ظنا له صفة مقدرة: أي إلا ظنا بينا، وقيل إن الظن يكون بمعنى العلم والشك، فكأنهم قالوا: ما لنا اعتقاد إلا الشك (وما نحن بمستيقنين) أي لم يكن لنا يقين بذلك، ولم يكن معنا إلا مجرد الظن أن الساعة آتية (وبدا لهم سيئات ما عملوا) أي ظهر لهم سيئات أعمالهم على الصورة التي هي عليها (وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون) أي أحاط بهم ونزل عليهم جزاء أعمالهم بدخولهم النار (وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا) أي نترككم في النار كما تركتم العمل لهذا اليوم، وأضاف اللقاء إلى اليوم توسعا، لأنه أضاف إلى الشئ ما هو واقع فيه (ومأواكم النار) أي مسكنكم ومستقركم الذين تأوون إليه (وما لكم من ناصرين) ينصرونكم فيمنعون عنكم العذاب (ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا) أي ذلكم العذاب بسبب أنكم اتخذتم القرآن هزوا ولعبا (وغرتكم الحياة الدنيا) أي خدعتكم بزخارفها وأباطيلها، فظننتم أنه لا دار غيرها ولا بعث ولا نشور (فاليوم لا يخرجون منها) أي من النار. قرأ الجمهور " يخرجون " بضم الياء وفتح الراء مبنيا للمفعول وقرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء مبنيا للفاعل، والالتفات من الخطاب إلى الغيبة لتحقيرهم (ولا هم يستعتبون) أي لا يسترضون ويطلب منهم الرجوع إلى طاعة الله، لأنه يوم لا تقبل فيه توبة ولا تنفع فيه معذرة