سورة ن (17 - 33) قوله (إنا بلوناهم) يعني كفار مكة، فإن الله ابتلاهم بالجوع والقحط بدعوة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليهم، والابتلاء الاختبار، والمعنى: أعطيناهم الأموال ليشكروا لا ليبطروا، فلما بطروا ابتليناهم بالجوع والقحط (كما بلونا أصحاب الجنة) المعروف خبرهم عندهم، وذلك أنها كانت بأرض اليمن على فرسخين من صنعاء لرجل يؤدي حق الله منها، فمات وصارت إلى أولاده، فمنعوا الناس خيرها، وبخلوا بحق الله فيها. قال الواحدي:
هم قوم من ثقيف كانوا باليمن مسلمين ورثوا من أبيهم ضيعة فيها جنات وزرع ونخيل وكان أبوهم يجعل مما فيها من كل شئ حظا للمساكين عند الحصاد والصرام، فقالت بنوه: المال قليل، والعيال كثير، ولا يسعنا أن نفعل كما كان يفعل أبونا، وعزموا على حرمان المساكين، فصارت عاقبتهم إلى ما قص الله في كتابه. قال الكلبي:
كان بينهم وبين صنعاء فرسخان بتلاهم الله بأن حرق جنتهم. وقيل هي جنة كانت بصوران، وصوران على فراسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى بيسير (إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين) أي حلفوا ليقطعنها داخلين في وقت الصباح، والصرم القطع للثمر والزرع، وانتصاب " مصبحين " على الحال من فاعل ليصرمنها، والكاف في " كما بلونا " نعت مصدر محذوف: أي بلوناهم ابتلاء كما بلونا، وما مصدرية، أو بمعنى الذي، وإذ ظرف لبلونا منتصب به، وليصرمنها جواب القسم (ولا يستثنون) يعنى ولا يقولون إن شاء الله، وهذه الجملة مستأنفة لبيان ما وقع منهم، أو حال. وقيل المعنى: ولا يستثنون للمساكين من جملة ذلك القدر الذي كان يدفعه أبوهم إليهم، قاله عكرمة (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) أي طاف على تلك الجنة طائف من جهة الله سبحانه، والطائف قيل هو نار أحرقتها حتى صارت سوداء، كذا قال مقاتل: وقيل الطائف جبريل اقتلعها، وجملة (وهم نائمون) في محل نصب على الحال (فأصبحت كالصريم) أي كالشئ الذي صرمت ثماره: أي قطعت، فعيل بمعنى مفعول. وقال الفراء: كالصريم كالليل المظلم، ومنه قول الشاعر:
تطاول ليلك الجون الصريم * فما ينجاب عن صبح بهيم والمعنى: أنها حرقت فصارت كالليل الأسود قال: والصريم الرماد الأسود بلغة خزيمة. وقال الأخفش: