مقصورة، واختار هذه القراءة أبو حاتم. وقرأ أبو العالية وابن أبي إسحاق ومجاهد وأبو عمرو وابن عامر وحميد وابن محيصن والمغيرة وأبو حيوة بكسر الواو وفتح الطاء ممدودة، واختار هذه القراءة أبو عبيد، فالمعنى على القراءة الأولى أن الصلاة في ناشئة الليل أثقل على المصلي من صلاة النهار، لأن الليل للنوم. قال ابن قتيبة: المعنى أنها أثقل على المصلى من ساعات النهار، من قول العرب: اشتدت على القوم وطأة السلطان: إذا ثقل عليهم ما يلزمهم منه، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم اشدد وطأتك على مضر " والمعنى على القراءة الثانية أنها أشد مواطأة: أي موافقة، من قولهم: واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطاء: إذا وافقته عليه. قال مجاهد وابن أبي مليكة: أي أشد موافقة بين السمع والبصر والقلب واللسان لانقطاع الأصوات والحركات فيها، ومنه - ليواطئوا عدة ما حرم الله - أي ليوافقوا. وقال الأخفش: أشد قياما. وقال الفراء: أي أثبت للعمل، وأدوم لمن أراد الاستكثار من العبادة، والليل وقت الفراغ عن الاشتغال بالمعاش، فعبادته تدوم ولا تنقطع. وقال الكلبي: أشد نشاطا (وأقوم قيلا) أي وأشد مقالا وأثبت قراءة لحضور القلب فيها وهدوء الأصوات، وأشد استقامة واستمرار على الصواب، لأن الأصوات فيها هادئة والدنيا ساكنة فلا يضطرب على المصلى ما يقرؤه.
قال قتادة ومجاهد: أي أصوب للقراءة وأثبت للقول، لأنه زمان التفهم. قال أبو علي الفارسي: أقوم قيلا:
أي أشد استقامة لفراغ البال بالليل. قال الكلبي: أي أبين قولا بالقرآن. وقال عكرمة: أي أتم نشاطا وإخلاصا وأكثر بركة. وقال ابن زيد: أجدر أن يتفقه في القرآن، وقيل أعجل إجابة للدعاء (إن لك في النهار سبحا طويلا) قرأ الجمهور " سبحا " بالحاء المهملة: أي تصرفا في حوائجك وإقبالا وإدبارا وذهابا ومجيئا، والسبح: الجري والدوران، ومنه السباحة في الماء لتقلبه ببدنه ورجليه، وفرس سابح: أي شديد الجري. وقيل السبح الفراغ:
أي إن لك فراغا بالنهار للحاجات، فصل بالليل. قال ابن قتيبة: أي تصرفا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك.
وقال الخليل: إن لك في النهار سبحا: أي نوما، والتسبح التمدد. قال الزجاج: المعنى إن فاتك في الليل شئ فلك في النهار فراغ للاستدراك. وقرأ يحيى بن يعمر وأبو وائل وابن أبي عبلة " سبخا " بالحاء المعجمة، قيل ومعنى هذه القراءة: الخفة والسعة والاستراحة. قال الأصمعي: يقال سبخ الله عنك الحمى: أي خففها، وسبخ الحر فتر وخف، ومنه قول الشاعر:
فسبح عليك الهم واعلم بأنه * إذا قدر الرحمن شيئا فكائن أي خفف عنك الهم. والتسبيح من القطن ما ينسج بعد الندف، ومنه قول الأخطل:
فأرسلوهن يذرين التراب كما * تدري سبائخ قطن ندف أوتار * قال ثعلب: السبخ بالحاء المعجمة التردد والاضطراب، والسبخ السكون. وقال أبو عمرو: السبخ النوم والفراغ (واذكر اسم ربك) أي ادعه بأسمائه الحسنى، وقيل اقرأ باسم ربك في ابتداء صلاتك، وقيل أذكر اسم ربك في وعده ووعيده لتوفر على طاعته وتبعد عن معصيته، وقيل المعنى: دم على ذكر ربك ليلا ونهارا واستكثر من ذلك. وقال الكلبي: المعنى صل لربك (وتبتل إليه تبتيلا) أي انقطع إليه انقطاعا بالاشتغال بعبادته، والتبتل الانقطاع، يقال بتلت الشئ: أي قطعته وميزته من غيره، وصدقة بتلة: أي منقطعة من مال صاحبها، ويقال لراهب متبتل لانقطاعه عن الناس، ومنه قول الشاعر:
تضئ الظلام بالعشاء كأنها * منارة ممسى راهب متبتل