فكتاب خبر مبتدإ محذوف، التقدير: هو كتاب، ويكون هذا الكلام مفسرا لسجين ما هو؟ كذا قال. قال الضحاك: مرقوم مختوم بلغة حمير، وأصل الرقم الكتابة. قال الشاعر:
سأرقم بالماء القراح إليكم * على بعدكم إن كان للماء راقم (ويل يومئذ للمكذبين) هذا متصل بقوله (يوم يقوم الناس لرب العالمين) وما بينهما اعتراض، والمعنى:
ويل يوم القيامة لمن وقع منه التكذيب بالبعث وبما جاءت به الرسل. ثم بين سبحانه هؤلاء المكذبين فقال (الذين يكذبون بيوم الدين) والموصول صفة للمكذبين، أو بدل منه (وما يكذب به إلا كل معتد أثيم) أي فاجر جائر متجاوز في الإثم منهمك في أسبابه (إذا تتلى عليه آياتنا) المنزلة على محمد صلى الله عليه وآله وسلم (قال أساطير الأولين) أي أحاديثهم وأباطيلهم التي زخرفوها. قرأ الجمهور إذا تتلى بفوقيتين. وقرأ أبو حيوة وأبو السماك والأشهب العقيل والسلمي بالتحتية، وقوله (كلا) للردع والزجر للمعتدى الأثيم عن ذلك القول الباطع وتكذيب له، وقوله (بل ران على قلوبهم: ما كانوا يكسبون) بيان للسبب الذي حملهم على قولهم بأن القرآن أساطير الأولين.
قال أبو عبيدة: ران على قلوبهم: غلب عليها رينا وريونا، وكل ما غلبك وعلاك فقد ران بك وران عليك.
قال الفراء: هو أنها كثرت منهم المعاصي والذنوب فأحاطت بقلوبهم، فذلك الرين عليها. قال الحسن: هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب. قال مجاهد: القلب مثل الكف، ورفع كفه فإذا أذنب انقبض وضم أصبعه، فإذا أذنب ذنبا آخر انقبض وضم أخرى حتى ضم أصابعه كلها حتى يطبع على قلبه. قال: وكانوا يرون أن ذلك هو الرين. ثم قرأ هذه الآية. قال أبو زيد: يقال قدرين بالرجل رينا: إذا وقع فيما لا يستطيع الخروج منه ولا قبل له به. وقال أبو معاذ النحوي: الرين أن يسود القلب من الذنوب، والطبع أن يطبع على القلب وهو أشد من الرين، والإقفال أشد من الطبع. قال الزجاج: الرين هو كالصدإ يغشى القلب كالغيم الرقيق، ومثله الغين. ثم كرر سبحانه الردع والزجر فقال (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) وقيل كلا بمعنى حقا: أي حقا إنهم، يعنى الكفار عن ربهم يوم القيامة لا يرونه أبدا. قال مقاتل: يعنى أنهم بعد العرض والحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربهم. قال الحسين بن الفضل: كما حجبهم في الدنيا عن توحيده حجبهم في الآخرة عن رؤيته. قال الزجاج: في هذه الآية دليل على أن الله عز وجل يرى في القيامة، ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة. وقال جل ثناؤه - وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظره - فأعلم جل ثناؤه أن المؤمنين ينظرون، وأعلم أن الكفار محجوبون عنه. وقيل هو تمثيل لإهانتهم بإهانة من يحجب عن الدخول على الملوك. وقال قتادة وابن أبي ملكية: هو أن لا ينظر إليهم برحمته ولا يزكيهم. وقال مجاهد: محجوبون عن كرامته، وكذا قال ابن كيسان (ثم إنهم لصالوا الجحيم) أي داخلوا النار وملازموها غير خارجين منها، وثم لنراخي الرتبة، لأن صلى الجحيم أشد من الإهانة وحرمان الكرامة (ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون) أي تقول لهم خزنة جهنم تبكيتا وتوبيخا: هذا الذي كنتم به تكذبون في الدنيا فانظروه وذو قوه.
وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال (يوم يقوم الناس لرب العالمين) حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه ". وأخرج الطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عمر قال