سورة ن (40 - 52) لما فرغ سبحانه من ذكر حال الكفار، وتشبيه ابتلائهم بابتلاء أصحاب الجنة المذكورة ذكر حال المتقين وما أعده لهم من الخير، فقال (إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم) أي المتقين ما يوجب سخطه من الكفر والمعاصي عنده عز وجل في الدار الآخرة جنات النعيم الخالص الذي لا يشوبه كدر ولا ينغصه خوف زوال (أفنجعل المسلمين كالمجرمين) الاستفهام للإنكار، وكان صناديد كفار قريش يرون وفور حظهم في الدنيا وقلة حظوظ المسلمين فيها، فلما سمعوا بذكر الآخرة، وما يعطى الله المسلمين فيها قالوا: إن صح ما يزعمه محمد لم يكن حالنا وحالهم إلا مثل ما هي في الدنيا، فقال الله مكذبا لهم رادا عليهم: أفنجعل المسلمين الآية، والفاء للعطف على مقدر كنظائره. ثم وبخهم الله، فقال (ما لكم كيف تحكمون) هذا الحكم الأعوج كأن أمر الجزاء مفوض إليكم تحكمون فيه بما شئتم (أم لكم كتاب فيه تدرسون) أي تقرؤون فيه فتجدون المطيع كالعاصي، ومثل هذا قوله تعالى - أم لكم سلطان مبين فأتوا بكتابكم - ثم قال سبحانه (إن لكم فيه لما تخيرون) قرأ الجمهور بكسر إن على أنها معمولة لتدرسون: أي تدرسون في الكتاب (إن لكم فيه لما تخيرون) فلما دخلت اللام كسرت الهمزة كقوله: علمت إنك لعاقل بالكسر، أو على الحكاية للمدروس، كما في قوله - وتركنا عليه في الآخرين سلام على نوح في العالمين - وقيل قد تم الكلام عند قوله (تدرسون) ثم ابتدأ فقال (إن لكم فيه لما تخيرون) أي ليس لكم ذلك، وقرأ طلحة بن مصرف والضحاك " أن لكم " بفتح الهمزة على أن العامل فيه تدرسون مع زيادة لام التأكيد ومعنى (تخيرون) تختارون وتشهون. ثم زاد سبحانه في التوبيخ فقال (أم لكم أيمان علينا بالغة) أي عهود مؤكدة موثقة متناهية، والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة، وقوله (إلى يوم القيامة) متعلق بالمقدر في لكم أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذ، وجواب القسم قوله (إن لكم لما تحكمون) لأن معنى (أم لكم أيمان) أي أم أقسمنا لكم. قال الرازي: والمعنى أم ضمنا لكم وأقسمنا لكم
(٢٧٤)