ما تسمعون لأنه لا فائدة في مجرد السماع (وأنفقوا خيرا لأنفسكم) أي أنفقوا من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها، وقوله (خيرا لأنفسكم) منتصب بفعل مضمر دل عليه أنفقوا، كأنه قال: ائتوا في الإنفاق خيرا لأنفسكم، أو قدموا خيرا لها، كذا قال سيبويه. وقال الكسائي والفراء: هو نعت لمصدر محذوف:
أي إنفاقا خيرا. وقال أبو عبيدة: هو خبر لكان المقدرة: أي يكن الإنفاق خيرا لكم. وقال الكوفيون: هو منتصب على الحال، وقيل هو مفعول به لأنفقوا: أي فأنفقوا خيرا. والظاهر: في الآية الإنفاق مطلقا من غير تقييد بالزكاة الواجبة، وقيل المراد زكاة الفريضة، وقيل النافلة، وقيل النفقة في الجهاد (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) أي ومن يوق شح نفسه فيفعل ما أمر به من الإنفاق ولا يمنعه ذلك منه فأولئك هم الظافرون بكل خير الفائزون بكل مطلب، وقد تقدم تفسير هذه الآية (إن تقرضوا الله قرضا حسنا) فتصرفون أموالكم في وجوه الخير بإخلاص نية وطيب نفس (يضاعفه لكم) فيجعل الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وقد تقدم تفسير هذه الآية واختلاف القراءة في قراءتها في سورة البقرة وسورة الحديد (ويغفر لكم) أي يضم لكم إلى تلك المضاعفة غفران ذنوبكم (والله شكور حليم) يثيب من أطاعه بأضعاف مضاعفة، ولا يعاجل من عصاه بالعقوبة (عالم الغيب والشهادة) أي ما غاب وما حضر لا تخفى عليه منه خافية، وهو (العزيز الحكيم) أي الغالب القاهر ذو الحكمة الباهرة. وقال ابن الأنباري: الحكيم هو المحكم لخلق الأشياء.
وقد أخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم) في قوم من أهل مكة أسلموا وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأبى أزواجهم وأولادهم أن يدعوهم، فلما أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوهم، فنزلت إلى قوله (فإن الله غفور رحيم). وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والحاكم وصححه وابن مردويه عن بريدة قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المنبر فحملهما واحدا من ذا الشق وواحدا من ذا الشق، ثم صعد المنبر فقال: صدق الله (إنما أموالكم وأولادكم فتنة)، إني لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما ". وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " يقول الله استقرضت عبدي فأبى أن يقرضني وشتمني عبدي وهو لا يدري، يقول: وادهراه وادهراه وأنا الدهر، ثم تلا أبو هريرة (إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم) ".