إما أن يكون من ختام الشئ وهو آخره، أو من ختم الشئ وهو جعل الخاتم عليه كما تختم الأشياء بالطين ونحوه.
قرأ الجمهور " ختامه " وقرأ على وعلقمة وشقيق والضحاك وطاووس والكسائي " خاتمه " بفتح الخاء والتاء وألف بينهما. قال علقمة: أما رأيت المرأة تقول للعطار: اجعل خاتمه مسكا: أي آخره، والخاتم والختام يتقاربان في المعنى، إلا أن الخاتم الاسم والختام المصدر، كذا قال الفراء قال في الصحاح: والختام الطين الذي يختم به، وكذا قال ابن زيد. قال الفرزدق:
وتبين بجانبي مصرعات * وبت أفض أغلاف الختام (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) أي فليرغب الراغبون، والإشارة بقوله " ذلك إلى الرحيق الموصوف بتلك الصفة، وقيل إن في بمعنى إلى: أي وإلى ذلك فليتبادر المتبادرون في العمل كما في قوله - لمثل هذا فليعمل العاملون - وأصل التنافس التشاجر على الشئ والتنازع فيه، بأن يحب كل واحد أن يتفرد به دون صاحبه، يقال نفست الشئ عليه أنفسه نفاسة: أي ظننت به ولم أحب أن يصير إليه. قال البغوي: أصله من الشئ النفيس الذي تحرص عليه نفوس الناس فيريده كل واحد لنفسه، وينفس به على غيره: أي يظن به. قال عطاء: المعنى فليستبق المستبقون. وقال مقاتل بن سليمان: فليتنازع المتنازعون، وقوله (ومزاجه من تسنيم) معطوف على (ختامه مسك) صفة أخرى لرحيق: أي ومزاج ذلك الرحيق من تسنيم، وهو شراب ينصب عليهم من علو، وهو أشرف شراب الجنة، وأصل التسنيم في اللغة الارتفاع، فهي عين ماء تجري من علو إلى أسفل، ومنه سنام البعير لعلوه من بدنه، ومنه تسنيم القبور، ثم بين ذلك فقال (عينا يشرب بها المقربون) وانتصاب عينا على المدح.
وقال الزجاج: على الحال، وإنما جاز أن تكون عينا حالا مع كونها جامدة غير مشتقة لاتصافها بقوله يشرب بها) وقال الأخفش: إنها منصوبة بيسقون: أي يسقون عينا، أو من عين. وقال الفراء: إنها منصوبة بتسنيم على أنه مصدر مشتق من السنام كما قي قوله - أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما - والأول أولى، وبه قال المبرد.
قيل والباء في بها زائدة: أي يشربها، أو بمعنى من: أي يشرب منها. قال ابن زيد: بلغنا أنها عين تجري من تحت العرش، قيل يشرب بها المقربون صرفا، ويمزج بها كأس أصحاب اليمين. ثم ذكر سبحانه بعض قبائح المشركين فقال (إن الذين أجرموا) وهم كفار قريش ومن وافقهم على الكفر (كانوا من الذين آمنوا يضحكون) أي كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين، ويسخرون منهم (وإذا مروا بهم) أي وإذا مر المؤمنون بالكفار وهم في مجالسهم (يتغامزون) من الغمز، وهو الإشارة بالجفون والحواجب: أي يغمز بعضهم بعضا، ويشيرون بأعينهم وحواجبهم، وقيل يعيرونهم بالإسلام ويعيبونهم به (وإذا انقلبوا) أي الكفار (إلى أهلهم) من مجالسهم (انقلبوا فاكهين) أي معجبين بما هم فيه متلذذين به، يتفكهون بذكر المؤمنين والطعن فيهم والاستهزاء بهم والسخرية منهم، والانقلاب: الانصراف. قرأ الجمهور " فاكهين " وقرأ حفص وابن القعقاع والأعرج والسلمي " فكهين " بغير الألف. قال الفراء: هما لغتان، مثل طمع وطامع، وحذر وحاذر. وقد تقدم بيانه في سورة الدخان أن الفكه: الأشر البطر، والفاكه: الناعم المتنعم (وإذا رأوهم) أي إذا رأى الكفار المسلمين في أي مكان (قالوا إن هؤلاء لضالون) في اتباعهم محمدا، وتمسكهم بما جاء به، وتركهم التنعم الحاضر، ويجوز أن يكون المعنى:
وإذا رأى المسلمون الكافرين قالوا هذا القول، والأول أولى، وجملة (وما أرسلوا عليهم حافظين) في محل نصب على الحال من فاعل قالوا: أي قالوا ذلك أنهم لم يرسلوا على المسلمين من جهة الله موكلين بهم يحفظون عليهم أحوالهم وأعمالهم (فاليوم الذين آمنوا) المراد باليوم: اليوم الآخر (من الكفار يضحكون) والمعنى: أن المؤمنين