واختلف في تفسير المحروم، فقيل هو الذي يتعفف عن السؤال حتى يحسبه الناس غنيا فلا يتصدقون عليه، وبه قال قتادة والزهري. وقال الحسن ومحمد ابن الحنفية: هو الذي لا سهم له في الغنيمة ولا يجري عليه من الفئ شئ. وقال زيد بن أسلم: هو الذي أصيب ثمره أو زرعه أو ماشيته. قال القرطبي: هو الذي أصابته الجائحة، وقيل الذي لا يكتسب، وقيل هو الذي لا يجد غني يغنيه، وقيل هو الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه، وقيل هو المملوك، وقيل الكلب، وقيل غير ذلك. قال الشعبي: لي اليوم سبعون سنة منذ احتلمت أسأل عن المحروم، فما أنا اليوم بأعلم مني فيه يومئذ، والذي ينبغي التعويل عليه ما يدل عليه المعنى اللغوي، والمحروم في اللغة الممنوع من الحرمان وهو المنع، فيدخل تحته من حرم الرزق من الأصل، ومن أصيب ماله بجائحة أذهبته، ومن حرم العطاء، ومن حرم الصدقة لتعففه. ثم ذكر سبحانه ما نصبه من الدلائل الدالة على توحيده وصدق وعده ووعيده فقال (وفي الأرض آيات للموقنين) أي دلائل واضحة وعلامات ظاهرة من الجبال والبر والبحر والأشجار والأنهار والثمار، وفيها آثار الهلاك للأمم الكافرة المكذبة لما جاءت به رسل الله ودعتهم إليه، وخص الموقنين بالله لأنهم الذين يعترفون بذلك ويتدبرون فيه فينتفعون به (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) أي وفي أنفسكم آيات تدل على توحيد الله وصدق ما جاءت به الرسل، فإنه خلقهم نطفة ثم علقة ثم مضغة ثم عظما إلى أن ينفخ فيه الروح، ثم تختلف بعد ذلك صورهم وألوانهم وطبائعهم وألسنتهم، ثم نفس خلقهم على هذه الصفة العجيبة الشأن من لحم ودم وعظم وأعضاء وحواس ومجاري ومنافس، ومعنى (أفلا تبصرون) أفلا تنظرون بعين البصيرة، فتستدلون بذلك على الخالق الرازق المتفرد بالألوهية، وأنه لا شريك له ولا ضد ولا ند، وأن وعده الحق، وقوله الحق وأن ما جاءت إليكم به رسله هو الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة تعتريه، وقيل المراد بالأنفس الأرواح: أي وفي نفوسكم التي بها حياتكم آيات (وفي السماء رزقكم) أي سبب رزقكم، وهو المطر فإنه سبب الأرزاق. قال سعيد ابن جبير والضحاك: الرزق هنا ما ينزل من السماء من مطر وثلج. وقيل المراد بالسماء السحاب: أي وفي السحاب رزقكم، وقيل المراد بالسماء المطر، وسماه سماء لأنه ينزل من جهتها، ومنه قول الشاعر:
إذا نزل السماء بأرض قوم * رعيناه وإن كانوا غضابا وقال ابن كيسان: يعني وعلى رب السماء رزقكم، قال: ونظيره - وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها - وهو بعيد. وقال سفيان الثوري: أي عند الله في السماء رزقكم. وقيل المعنى: وفي السماء تقدير رزقكم، قرأ الجمهور " رزقكم " بالأفراد، وقرأ يعقوب وابن محيصن ومجاهد " أرزاقكم " بالجمع (وما توعدون) من الجنة والنار، قاله مجاهد. قال عطاء: من الثواب العقاب، وقال الكلبي: من الخير والشر، قال ابن سيرين:
ما توعدون من أمر الساعة، وبه قال الربيع. والأولى الحمل على ما هو أعم من هذه الأقوال، فإن جزاء الأعمال مكتوب في السماء، والقضاء والقدر ينزل منها، والجنة والنار فيها. ثم أقسم سبحانه بنفسه فقال (فورب السماء والأرض إنه الحق) أي ما أخبركم به في هذه الآيات. قال الزجاج: هو ما ذكر من أمر الرزق والآيات. قال الكلبي: يعني ما قص في الكتاب. وقال مقاتل: يعني من أمر الساعة. وقيل إن " ما " في قوله (وما توعدون) مبتدأ وخبره فورب السماء والأرض إنه لحق، فيكون الضمير لما. ثم قال سبحانه (مثل ما أنكم تنطقون) قرأ الجمهور بنصب " مثل " على تقدير: كمثل نطقكم، وما زائدة، كذا قال بعض الكوفيون إنه منصوب بنزع الخافض. وقال الزجاج والفراء: يجوز أن ينتصب على التوكيد: أي لحق حقا مثل نطقكم. وقال المازني: إن