سورة الصف (1 - 9) قوله (سبح لله ما في السماوات وما في الأرض) قد تقدم الكلام على هذا ووجه التعبير في بعض السور بلفظ الماضي كهذه السورة، وفي بعضها بلفظ المضارع، وفي بعضها بلفظ الأمر الإرشاد إلى مشروعية التسبيح في كل الأوقات ماضيها ومستقبلها وحالها، وقد قدمنا نحو هذا في أول سورة الحديد (وهو العزيز الحكيم) أي الغالب الذي لا يغالب: الحكيم في أفعاله وأقواله (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون) هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ: أي لم تقولون من الخير مالا تفعلونه، ولم مركبة من اللام الجارة، وما الاستفهامية، وحذفت ألفها تخفيفا لكثرة استعمالها كما في نظائرها، ثم ذمهم سبحانه على ذلك فقال (كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون) أي عظم ذلك في المقت، وهو البغض، والمقت والمقاتة مصدران، يقال رجل مقيت وممقوت: إذا لم يحبه الناس قال الكسائي (أن تقولوا) في موضع رفع، لأن كبر فعل بمعنى بئس، ومقتا منتصب على التمييز، وعلى هذا فيكون في كبر ضمير مبهم مفسر بالنكرة، وأن تقولوا هو المخصوص بالذم، ويجئ فيه الخلاف هل رفعه بالابتداء، وخبره الجملة المتقدمة عليه، أو خبره محذوف أو هو خبر مبتدأ محذوف. وقيل إنه قصد بقوله كبر التعجب، وقد عده ابن عصفور من أفعال التعجب. وقيل إنه ليس من أفعال الذم ولا من أفعال التعجب، بل هو مسند إلى أن تقولوا، ومقتا تمييز محول عن الفاعل (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا) قال المفسرون:
إن المؤمنين قالوا: وددنا أن الله يخبرنا بأحب الأعمال إليه حتى نعمله ولو ذهبت فيه أموالنا وأنفسنا. فأنزل الله (إن الله يحب الذين يقاتلون) الآية، وانتصاب صفا على المصدرية، والمفعول محذوف: أي يصفون أنفسهم