من ربك، فيكون نعتا له ورفع الرحمن لبعده منه على الاستئناف، وخبره (لا يملكون منه خطابا) أي لا يملكون أن يسألوا إلا فيما أذن لهم فيه. وقال الكسائي: لا يملكون منه خطابا بالشفاعة إلا بإذنه، وقيل الخطاب الكلام: أي لا يملكون أن يخاطبوا الرب سبحانه إلا بإذنه، دليله - لا تكلم نفس إلا بإذنه - وقيل أراد الكفار، وأما المؤمنون فيشفعون. ويجوز أن تكون هذه الجملة في محل نصب على الحال على ما تقدم بيانه، ويجوز أن تكون مستأنفة مقررة لما تفيده الربوبية من العظمة والكبرياء (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) الظرف منتصب بلا يتكلمون، أو بلا يملكون، وصفا منتصب على الحال: أي مصطفين، أو على المصدرية: أي يصفون صفا، وقوله (لا يتكلمون) في محل نصب على الحال، أو مستأنف لتقرير ما قبله.
واختلف في الروح، فقيل إنه ملك من الملائكة أعظم من السماوات السبع ومن الأرضين السبع ومن الجبال، وقيل هو جبريل قاله الشعبي والضحاك وسعيد بن جبير. وقيل الروح جند من جنود الله ليسوا ملائكة قاله أبو صالح ومجاهد، وقيل هم أشراف الملائكة قاله مقاتل بن حيان. وقيل هم حفظة على الملائكة قاله ابن أبي نجيح. وقيل هم بنو آدم قاله الحسن وقتادة. وقيل هم أرواح بني آدم تقوم صفا وتقوم الملائكة صفا، وذلك بين النفختين قبل أن ترد إلى الأجسام قاله عطية العوفي. وقيل إنه القرآن قاله زيد بن أسلم. وقوله (إلا من أذن له الرحمن) يجوز أن يكون بدلا من ضمير يتكلمون، وأن يكون منصوبا على أصل الاستثناء، والمعنى:
لا يشفعون لأحد إلا من أذن له الرحمن بالشفاعة، أو لا يتكلمون إلا في حق من أذن له الرحمن (و) كان ذلك الشخص ممن (قالوا صوابا) قال الضحاك ومجاهد: صوابا يعني حقا. وقال أبو صالح: لا إله إلا الله. وأصل الصواب السداد من القول والفعل. قيل لا يتكلمون: يعني الملائكة والروح الذين قاموا صفا هيبة وإجلالا إلا من أذن له الرحمن منهم في الشفاعة، وهم قد قالوا صوابا. قال الحسن: إن الروح تقوم يوم القيامة لا يدخل أحد الجنة إلا بالروح، ولا النار إلا بالعمل. قال الواحدي: فهم لا يتكلمون: يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن وهم المؤمنون والملائكة، وقال في الدنيا صوابا: أي شهد بالتوحيد، والإشارة بقوله (ذلك) إلى يوم قيامهم على تلك الصفة، وهو مبتدأ وخبره (اليوم الحق) أي الكائن الواقع المتحقق (فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا) أي مرجعا يرجع إليه بالعمل الصالح، لأنه إذا عمل خيرا قربه إلى الله، وإذا عمل شرا باعده منه، ومعنى (إلى ربه) إلى ثواب ربه قال قتادة: مآبا: سبيلا. ثم زاد سبحانه في تخويف الكفار فقال (إنا أنذرناكم عذابا قريبا) يعني العذاب في الآخرة، وكل ما هو آت فهو قريب، ومثله قوله - كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها - كذا قال الكلبي وغيره. وقال قتادة: هو عذاب الدنيا لأنه أقرب العذابين. قال مقاتل: هو قتل قريش ببدر، والأول أولى لقوله (يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) فإن الظرف إما بدل من عذاب أو ظرف لمضمر هو صفة له: أي عذابا كائنا (يوم ينظر المرء) أي يشاهد ما قدمه من خير أو شر، وما موصولة أو استفهامية. قال الحسن: والمرء هنا هو المؤمن: أي يجد لنفسه عملا، فأما الكافر فلا يجد لنفسه عملا فيتمنى أن يكون ترابا، وقيل المراد به الكافر على العموم، وقيل أبي بن خلف وعقبة بن أبي معيط، والأول أولى لقوله (ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا) فإن الكافر واقع في مقابلة المرء، والمراد جنس الكافر يتمنى أن يكون ترابا لما يشاهده مما قد أعده الله له من أنواع العذاب، والمعنى: أنه يتمنى أنه كان ترابا في الدنيا فلم يخلق، أو ترابا يوم القيامة. وقيل المراد بالكافر أبو جهل، وقيل أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وقيل إبليس، والأول أولى اعتبارا بعموم اللفظ، ولا ينافيه خصوص السبب كما تقدم غير مرة.