قال معمر: إرم إليه مجتمع عاد وثمود، وكان يقال عاد إرم وعاد ثمود، وكانت القبيلتان تنسب إلى إرم.
قال أبو عبيدة: هما عادان، فالأولى إرم. ومعنى ذات العماد: ذات القوة والشدة، مأخوذ من قوة الأعمدة، كذا قال الضحاك. وقال قتادة ومجاهد: إنهم كانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج النبت رجعوا إلى منازلهم. وقال مقاتل: ذات العماد يعني طولهم، كان طول الرجل منهم اثنى عشرة ذراعا، ويقال رجل طويل العماد: أي القامة. قال أبو عبيدة: ذات العماد ذات الطول، يقال رجل معمد: إذا كان طويلا. وقال مجاهد وقتادة: أيضا كان عمادا لقومهم، يقال فلان عميد القوم وعمودهم: أي سيدهم. وقال ابن زيد: ذات العماد يعني إحكام البنيان بالعمد. قال في الصحاح: والعماد الأبنية الرفيعة تذكر وتؤنث، قال عمرو بن كلثوم:
ونحن إذا عماد الحي خرت * على الإخفاض نمنع من يلينا وقال عكرمة وسعيد المقبري: هي دمشق، ورواه ابن وهب وأشهب عن مالك. وقال محمد بن كعب:
هي الإسكندرية (التي لم يخلق مثلها في البلاد) هذه صفة لعاد: أي لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والشدة والقوة، وهم الذين قالوا - من أشد منا قوة - أو صفة للقرية على قول من قال: إن إرم اسم لقريتهم أو للأرض التي كانوا فيها. والأول أولى، ويدل عليه قراءة أبي " التي لم يخلق مثلهم في البلاد " وقيل الإرم الهلاك. قال الضحاك إرم ذات العماد: أي أهلكهم فجعلهم رميما، وبه قال شهر بن حوشب. وقد ذكر جماعة من المفسرين أن إرم ذات العماد اسم مدينة مبنية بالذهب والفضة قصورها ودورها وبساتينها، وإن حصباءها جواهر وترابها مسك، وليس بها أنيس ولا فيها ساكن من بني آدم، وإنها لا تزال تنتقل من موضع إلى موضع، فتارة تكون باليمن، وتارة تكون بالشام، وتارة تكون بالعراق، وتارة تكون بسائر البلاد، وهذا كذب بحت لا ينفق على من له أدنى تميز، وزاد الثعلبي في تفسيره فقال: إن عبد الله بن قلابة في زمان معاوية دخل هذه المدينة، وهذا كذب على كذب وافتراء على افتراء، وقد أصيب الإسلام وأهله بداهية دهياء وفاقرة عظمي ورزية كبرى من أمثال هؤلاء الكذابين الدجالين الذين يجترئون على الكذب، تارة على بني إسرائيل، وتارة على الأنبياء، وتارة على الصالحين، وتارة على رب العالمين، وتضاعف هذا الشر وزاد كثرة بتصدر جماعة من الذين لا علم لهم بصحيح الرواية من ضعيفها من موضوعها للتصنيف والتفسير للكتاب العزيز، فأدخلوا هذه الخرافات المختلفة والأقاصيص المنحولة والأساطير المفتعلة في تفسير كتاب الله سبحانه، فحرفوا وغيروا وبدلوا. ومن أراد أن يقف على بعض ما ذكرنا فلينظر في كتابي الذي سميته الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. ثم عطف سبحانه القبيلة الآخرة، وهي ثمود على قبيلة عاد فقال (وثمود الذين جابوا الصخر بالواد) وهم قوم صالح سموا باسم جدهم ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، ومعنى جابوا الصخر: قطعوه، والجوب القطع، ومنه جاب البلاد: إذا قطعها، ومنه سمى جيب القميص لأنه جيب: أي قطع. قال المفسرون: أول من نحت الجبال والصخور ثمود، فبنوا من المدائن ألفا وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة، ومنه قوله سبحانه - وتنحتون من الجبال بيوتا آمنين - وكانوا ينحتون الجبال وينقبونها ويجعلون تلك الأنقاب بيوتا يسكنون فيها، وقوله (بالواد) متعلق بجابوا، أو بمحذوف على أنه حال من الصخر، وهو وادي القرى. قرأ الجمهور " ثمود " بمنع الصرف على أنه اسم للقبيلة، ففيه التأنيث والتعريف. وقرأ يحيى بن وثاب بالصرف على أنه اسم لأبيها. وقرأ الجمهور أيضا بالواد بحذف الياء وصلا ووقفا اتباعا لرسم المصحف. وقرأ ابن كثير بإثباتها فيهما. وقرأ قنبل في رواية عنه بإثباتها في الوصل دون الوقف (وفرعون ذي الأوتاد) أي ذو الجنود الذين لهم خيام كثيرة يشدونها بالأوتاد، أو جعل الجنود أنفسهم أوتادا لأنهم يشدون الملك كما تشد الأوتاد الخيام، وقيل كان له أوتاد يعذب الناس بها ويشدهم