الموت ولم يكن في الدنيا شئ عنده أكره منه، وشر من الموت ما يطلب منه الموت. وقيل الضمير يعود إلى الحالة التي شاهدها عند مطالعة الكتاب، والمعنى: يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضيت على (ما أغنى عني ماليه) أي لم يدفع عني من عذاب الله شيئا على أن ما نافية أو استفهامية، والمعنى: أي شئ أغنى عني مالي (هلك عني سلطانيه) أي هلكت عني حجتي وضلت عني، كذا قال مجاهد وعكرمة والسدي والضحاك. وقال ابن زيد:
يعني سلطاني الذي في الدنيا، وهو الملك، وقيل تسلطي على جوارحي. قال مقاتل: يعني حين شهدت عليه الجوارح بالشرك، وحينئذ يقول الله عز وجل (خذوه فغلوه) أي اجمعوا يده إلى عنقه بالأغلال (ثم صلوه) أي أدخلوه الجحيم، والمعنى: لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظيمة (ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه) السلسلة حلق منتظمة، وذرعها طولها. قال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو. قال نوف الشامي:
كل ذراع سبعون باعا كل باع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان نوف في رحبة الكوفة. قال مقاتل: لو أن حلقة منها وضعت على ذروة جبل لذاب كما يذوب الرصاص، ومعنى " فاسلكوه " فاجعلوه فيها، يقال سلكته الطريق إذا أدخلته فيه. قال سفيان: بلغنا أنها تدخل في دبره حتى تخرج من فيه. قال الكلبي: تسلك سلك الخيط في اللؤلؤ. وقال سويد بن أبي نجيح: بلغني أن جميع أهل النار في تلك السلسلة، وتقديم السلسلة للدلالة على الاختصاص كتقديم الجحيم، وجملة (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) تعليل لما قبلها (ولا يحض على طعام المسكين) أي لا يحث على إطعام المسكين من ماله، أو لا يحث الغير على إطعامه، ووضع الطعام موضع الإطعام كما يوضع العطاء موضع الإعطاء كما قال الشاعر:
أكفرا بعد رد موتي عني * وبعد عطائك المال الرعابا أي بعد إعطائك، ويجوز أن يكون الطعام على معناه غير موضع المصدر، والمعنى: أنه لا يحث نفسه أو غيره على بذل نفس طعام المسكين، وفي جعل هذا قرينا لترك الإيمان بالله من الترغيب في التصدق على المساكين وسد فاقتهم، وحث النفس والناس على ذلك ما يدل أبلغ دلالة ويفيد أكمل فائدة على أن منعهم من أعظم الجرائم وأشد المآثم (فليس له اليوم ها هنا حميم) أي ليس له يوم القيامة في الآخرة قريب ينفعه أو يشفع له لأنه يوم يفر فيه القريب من قريبه، ويهرب عنده الحبيب من حبيبه (ولا طعام إلا من غسلين) أي وليس له طعام يأكله إلا من صديد أهل النار، وما ينغسل من أبدانهم من القيح والصديد، وغسلين فعلين من الغسل.
وقال الضحاك والربيع بن أنس: هو شجر يأكله أهل النار. وقال قتادة: هو شر الطعام. وقال ابن زيد:
لا يعلم ما هو ولا ما الزقوم إلا الله تعالى. وقال سبحانه في موضع آخر - ليس لهم طعام إلا من ضريع - فيجوز أن يكون الضريع هو الغسلين، وقيل في الكلام تقديم وتأخير، والمعنى فليس له اليوم ها هنا حميم إلا من غسلين على أن الحميم هو الماء الحار (ولا طعام) أي ليس لهم طعام يأكلونه. ولا ملجئ لهذا التقديم والتأخير، وجملة (لا يأكله إلا الخاطئون) صفة لغسلين، والمراد أصحاب الخطايا وأرباب الذنوب. قال الكلبي: المراد الشرك.
قرأ الجمهور " الخاطئون) مهموزا، وهو اسم فاعل من خطئ إذا فعل غير الصواب متعمدا، والمخطئ من يفعله غير متعمد. وقرأ الزهري وطلحة بن مصرف والحسن الخاطيون بياء مضمومة بدل الهمزة. وقرأ نافع في رواية عنه بضم الطاء بدون همزة (فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون) هذا رد لكلام المشركين كأنه قال: ليس الأمر كما تقولون ولا زائدة، والتقدير: فأقسم بما تشاهدونه وما لا تشاهدونه. قال قتادة: أقسم بالأشياء كلها ما يبصر منها وما لا يبصر، فيدخل في هذا جميع المخلوقات، وقيل إن لا ليست زائدة، بل هي لنفي القسم: أي