لا يعرفون الذنوب ثم ذكر سبحانه ما أجاب به أهل النار عليهم فقال (قالوا لم نك من المصلين) أي من المؤمنين الذين يصلون لله في الدنيا (ولم نك نطعم المسكين) أي لم نتصدق على المساكين، قيل وهذان محمولان على الصلاة الواجبة والصدقة الواجبة، لأنه لا تعذيب على غير الواجب، وفيه دليل على أن الكفار مخاطبون بالشرعيات (وكنا نخوض مع الخائضين) أي نخالط أهل الباطل في باطلهم. قال قتادة: كلما غوى غاو غوينا معه. وقال السدي: كنا نكذب مع المكذبين. وقال ابن زيد: نخوض مع الخائضين في أمر محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو قولهم كاذب مجنون ساحر شاعر (وكنا نكذب بيوم الدين) أي بيوم الجزاء والحساب (حتى أتانا اليقين) وهو الموت، كما في قوله - واعبد ربك حتى يأتيك اليقين - (فما تنفعهم شفاعة الشافعين) أي شفاعة الملائكة والنبيين كما تنفع الصالحين (فما لهم عن التذكرة معرضين) التذكرة التذكير بمواعظ القرآن، والفاء لترتيب إنكار إعراضهم عن التذكرة على ما قبله من موجبات الإقبال عليها، وانتصاب معرضين على الحال من الضمير في متعلق الجار والمجرور: أي أي شئ حصل لهم حال كونهم معرضين عن القرآن الذي هو مشتمل على التذكرة الكبرى والموعظة العظمى، ثم شبههم في نفورهم عن القرآن بالحمر فقال (كأنهم حمر مستنفرة) والجملة حال من الضمير في معرضين على التداخل، ومعنى مستنفرة نافرة، يقال نفر واستنفر، مثل عجب واستعجب، والمراد الحمر الوحشية. قرأ الجمهور " مستنفرة " بكسر الفاء: أي نافرة، وقرأ نافع وابن عامر بفتحها: أي منفرة مذعورة، واختار القراءة الثانية أبو حاتم وأبو عبيد. قال في الكشاف: المستنفرة الشديدة النفار كأنها تطلب النفار من نفوسها في جمعها له، وحملها عليه (فرت من قسورة) أي من رماة يرمونها، والقسور الرامي، وجمعة قسورة قاله سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد وقتادة وابن كيسان، وقيل هو الأسد قاله عطاء والكلبي. قال ابن عرفة: من القسر بمعنى القهر، لأنه يقهر السباع، وقيل القسورة أصوات الناس، وقيل القسورة بلسان العرب الأسد وبلسان الحبشة الرماة. وقال ابن الأعرابي: القسورة أول الليل: أي فرت من ظلمة الليل، وبه قال عكرمة، والأول أولى، وكل شديد عند العرب فهو قسورة، ومنه قول الشاعر:
يا بنت كوني خيرة لخيره * أخوالها الحي وأهل القسوره ومنه قول لبيد: إذا ما هتفنا هتفة في ندينا * أتانا الرجال العابدون القساور ومن إطلاقه على الأسد قول الشاعر:
مضمر تحذره الأبطال * كأنه القسور الرهال (بل يريد كل امرئ منهم أن يوتى صحفا منشرة) عطف على مقدر يقتضيه المقام كأنه قيل لا يكتفون بتلك التذكرة بل يريد. قال المفسرون: إن كفار قريش قالوا لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم: ليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله أنك رسول الله. والصحف الكتب واحدتها صحيفة، والمنشرة المنشورة المفتوحة، ومثل هذه الآية قوله سبحانه - حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه - قرأ الجمهور " منتشرة " بالتشديد. وقرأ سعيد بن جبير بالتخفيف. وقرأ الجمهور أيضا بضم الحاء من صحف. وقرأ سعيد بن جبير بإسكانها. ثم ردعهم الله سبحانه عن هذه المقالة وزجرهم فقال (كلا بل لا يخافون الآخرة) يعني عذاب الآخرة لأنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات، وقيل كلا بمعنى حقا. ثم كرر الردع والزجر لهم فقال (كلا إنه تذكرة) يعني القرآن، أو حقا إنه تذكرة، والمعنى: أنه يتذكر به ويتعظ بمواعظه (فمن شاء ذكره) أي فمن شاء أن يتعظ به اتعظ، ثم رد سبحانه المشيئة