وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع كما في قوله - عتل بعد ذلك زنيم -، وقيل بعد بمعنى قبل كقوله - ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر - أي من قبل الذكر، والجمع الذي ذكرناه أولى، وهو قول ابن عباس وغير واحد، واختاره ابن جرير. يقال دحوت الشئ أدحوه: إذا بسطته، ويقال لعش النعامة أدحى لأنه مبسوط على الأرض، وأنشد المبرد:
دحاها فلما رآها استوت * على الماء أرسى عليها الجبالا وقال أمية بن أبي الصلت:
وبث الخلق فيها إذ دحاها * فهم قطانها حتى التنادي وقال زيد بن عمرو بن نفيل:
وأسلمت وجهي لمن أسلمت * له الأرض تحمل صخرا ثقالا دحاها فلما استوت شدها * بأيد وأرسى عليها الجبالا قرأ الجمهور بنصب الأرض على الاشتغال، وقرأ الحسن وعمرو بن ميمون وابن أبي عبلة وأبو حيوة وأبو السماك وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم بالرفع على الابتداء (أخرج منها ماءها ومرعاها) أي فجر من الأرض الأنهار والبحار والعيون " وأخرج منها مرعاها ": أي النبات الذي يرعى، ومرعاها مصدر ميمي: أي رعيها، وهو في الأصل موضع الرعي، والجملة إما بيان وتفسير لدحاها، لأن السكنى لا تتأتي بمجرد البسط بل لا بد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب. وإما في محل نصب على الحال (والجبال أرساها) أي أثبتها في الأرض وجعلها كالأوتاد للأرض لتثبت وتستقر وأن لا تميد بأهلها. قرأ الجمهور بنصب الجبال على الاشتغال. وقرأ الحسن وعمرو ابن ميمون وأبو حيوة وأبو السماك وعمرو بن عبيد ونصر بن عاصم بالرفع على الابتداء، قيل ولعل وجه تقديم ذكر إخراج الماء والمرعى على إرساء الجبال مع تقدم الإرساء عليه للاهتمام بأمر المأكل والمشرب (متاعا لكم ولأنعامكم) أي منفعة لكم ولأنعامكم من البقر والإبل والغنم، وانتصاب متاعا على المصدرية: أي متعكم بذلك متاعا، أو هو مصدر من غير لفظه، لأن قوله (أخرج منها ماءها ومرعاها) بمعنى متع بذلك، أو على أنه مفعول له: أي فعل ذلك لأجل التمتيع، وإنما قال " لكم ولأنعامكم " لأن فائدة ما ذكر من الدحو وإخراج الماء والمرعى كائنة لهم ولأنعامهم، والمرعى يعم ما يأكله الناس والدواب (فإذا جاءت الطامة الكبرى) أي الداهية للعظمى التي تطم على سائر الطامات. قال الحسن وغيره: وهي النفخة الثانية. وقال الضحاك وغيره: هي القيامة سميت بذلك لأنها تطم على كل شئ لعظم هولها. قال المبرد: الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع، وإنما أخذت فيما أحسب من قولهم: طم الفرس طميما: إذا استفرغ جهده في الجري، وطم الماء: إذا ملأ النهر كله. وقال غيره: هو من طم السيل الركية: أي دفنها، والطم الدفن. قال مجاهد وغيره: الطامة الكبرى هي التي تسلم أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها، وجواب إذا قيل هو قوله - فأما من طغى - وقيل محذوف: أي فإن الأمر كذلك، أو عاينوا، أو علموا أو أدخل أهل النار النار وأهل الجنة الجنة.
وقال أبو البقاء: العامل فيها جوابها، وهو معنى " يومئذ يتذكر الإنسان " فإنه منصوب بفعل مضمر: أي أعني يوم يتذكر، أو يوم يتذكر يكون كيت وكيت. وقيل إن الظرف بدل من إذا، وقيل هو بدل من الطامة الكبرى، ومعنى تذكر الإنسان ما سعى: أنه يتذكر ما عمله من خير أو شر، لأنه يشاهده مدونا في صحائف عمله، وما