لا أحتاج إلى قسم لوضوح الحق في ذلك، والأول أولى (إنه لقول رسول كريم) أي إن القرآن لتلاوة رسول كريم، على أن المراد بالرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو إنه لقول يبلغه رسول كريم. قال الحسن والكلبي ومقاتل: يريد به جبريل، دليله قوله (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين) وعلى كل حال فالقرآن ليس من قول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولا من قول جبريل عليه السلام، بل هو قول الله فلا بد من تقدير التلاوة أو التبليغ (وما هو بقول شاعر) كما تزعمون لأنه ليس من أصناف الشعر ولا مشابه لها (قليلا ما تؤمنون) أي إيمانا قليلا تؤمنون، وتصديقا يسيرا تصدقون، وما زائدة (ولا بقول كاهن) كما تزعمون، فإن الكهانة أمر آخر لا جامع بينها وبين هذا (قليلا ما تذكرون) أي تذكرا قليلا، أو زمانا قليلا تتذكرون، وما زائدة، والقلة في الموضعين بمعنى النفي: أي لا تؤمنون ولا تتذكرون أصلا (تنزيل من رب العالمين) قرأ الجمهور بالرفع على أنه خبر مبتدإ محذوف: أي هو تنزيل. وقرأ أبو السماك بالنصب على المصدرية بإضمار فعل: أي نزل تنزيلا، والمعنى: إنه لقول رسول كريم، وهو تنزيل من رب العالمين على لسانه (ولو تقول علينا بعض الأقاويل) أي ولو تقول ذلك الرسول، وهو محمد، أو جبريل على ما تقدم، والتقول تكلف القول، والمعنى: لو تكلف ذلك وجاء به من جهة نفسه، وسمى الافتراء تقولا لأنه قول متكلف، وكل كاذب يتكلف ما يكذب به. قرأ الجمهور " تقول " مبنيا للفاعل. وقرئ مبنيا للمفعول مع رفع بعض. وقرأ ابن ذكوان " ولو يقول " على صيغة المضارع، والأقاويل جمع أقوال، والأقوال جمع قول (لأخذنا منه باليمين) أي بيده اليمين، قال ابن جرير: إن هذا الكلام خرج مخرج الإذلال على عادة الناس في الأخذ بيد من يعاقب. وقال الفراء والمبرد والزجاج وابن قتيبة " لأخذنا منه باليمين " أي بالقوة والقدرة. قال ابن قتيبة: وإنما أقام اليمين مقام القوة، لأن قوة كل شئ في ميامنه، ومن هذا قول الشاعر:
إذا ما راية نصبت لمجد * تلقاها عرابة باليمين وقول الآخر: ولما رأيت الشمس أشرق نورها * تناولت منها حاجتي بيميني (ثم لقطعنا منه الوتين) الوتين عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، وهو تصوير لإهلاكه بأفظع ما يفعله الملوك بمن يغضبون عليه. قال الواحدي: والمفسرون يقولون إنه نياط القلب انتهى، ومن هذا قول الشاعر:
إذا بلغتني وحملت رحلي * عرابة فاشرقى بدم الوتين (فما منكم من أحد عنه حاجزين) أي ليس منكم أحد يحجزنا عنه ويدفعنا منه، فكيف يتكلف الكذب على الله لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ولا تقدرون على الدفع منه، والحجز المنع، (وحاجزين) صفة لأحد، أو خبر لما الحجازية (وإنه لتذكرة للمتقين) أي إن القرآن لتذكرة لأهل التقوى لأنهم المنتفعون به (وإنا لنعلم أن منكم مكذبين) أي أن بعضكم يكذب بالقرآن فنحن نجازيهم على ذلك، وفي هذا وعيد شديد (وإنه لحسرة على الكافرين) أي وإن القرآن لحسرة وندامة على الكافرين يوم القيامة عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين وقيل هي حسرتهم في الدنيا حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم بأن يأتوا بسورة من مثله (وإنه لحق اليقين) أي وإن القرآن لكونه من عند الله حق فلا يحول حوله ريب ولا يتطرق إليه الشك (فسبح باسم ربك العظيم) أي نزهه عما لا يليق به، وقيل فصل لربك، والأول أولى.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (إني ظننت) قال: أيقنت. وأخرج سعيد بن منصور وابن