وقوله (وسقوا ماء حميما) عطف على الصلة عطف جملة فعلية على اسمية لكنه راعى في الأولى لفظ من، وفي الثانية معناها، والحميم الماء الحار الشديد للغليان، فإذا شربوه قطع أمعاءهم، وهو معنى قوله (فقطع أمعاءهم) لفرط حرارته. والأمعاء جمع معي، وهي ما في البطون من الحوايا (ومنهم من يستمع إليك) أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام من يستمع إليك وهم المنافقون، أفرد الضمير باعتبار لفظ من، وجمع في قوله (حتى إذا خرجوا من عندك) باعتبار معناها، والمعنى: أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومواطن خطبة التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده (قالوا للذين أوتوا العلم) وهم علماء الصحابة، وقيل عبد الله بن عباس، وقيل عبد الله بن مسعود، وقيل أبو الدرداء، والأول أولى: أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم (ماذا قال آنفا) أي ماذا قال النبي الساعة على طريقة الاستهزاء، والمعنى:
أنا لم نلتفت إلى قوله، وآنفا يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات، ومنه أمر آنف: أي مستأنف، وروضة أنف: أي لم يرعها أحد، وانتصابه على الظرفية: أي وقتا مؤتنفا، أو حال من الضمير في قال. قال الزجاج:
هو من استأنفت الشئ: إذا ابتدأته، وأصله مأخوذ من أنف الشئ لما تقدم منه، مستعار من الجارحة، ومنه قول الشاعر: ويحرم سر جارتهم عليهم * ويأكل جارهم أنف القصاع والإشارة بقوله (أولئك) إلى المذكورين من المنافقين (الذين طبع الله على قلوبهم) فلم يؤمنوا ولا توجهت قلوبهم إلى شئ من الخبر (واتبعوا أهواءهم) في الكفر والعناد. ثم ذكر حال أضدادهم فقال (والذين اهتدوا زادهم هدى) أي والذين اهتدوا إلى طريق الخير، فآمنوا بالله وعملوا بما أمرهم به زادهم هدى بالتوفيق، وقيل زادهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل زادهم القرآن. وقال الفراء: زادهم إعراض المنافقين واستهزاؤهم هدى وقيل زادهم نزول الناسخ هدى، وعلى كل تقدير فالمراد أنه زادهم إيمانا وعلما وبصيرة في الدين (وآتاهم تقواهم) أي ألهمهم إياها وأعانهم عليها. والتقوى قال الربيع: هي الخشية. وقال السدى: هي ثواب الآخرة. وقال مقاتل: هي التوفيق للعمل الذي يرضاه، وقيل العمل بالناسخ وترك المنسوخ، وقيل ترك الرخص والأخذ بالعزائم (فهل ينظرون إلا الساعة) أي القيامة (أن تأتيهم بغتة) أي فجأة، وفي هذا وعيد للكفار شديد، وقوله (أن تأتيهم بغتة) بدل من الساعة بدل اشتمال. وقرأ أبو جعفر الرواسي " إن تأتهم " بأن الشرطية (فقد جاء أشراطها) أي أماراتها وعلاماتها وكانوا قد قرءوا في كتبهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخر الأنبياء، فبعثته من أشراطها، قاله الحسن والضحاك والأشراط جمع شرط بسكون الراء وفتحها. وقيل المراد بأشراطها هنا: أسبابها التي هي دون معظمها. وقيل أراد بعلامات الساعة انشقاق القمر والدخان، كذا قال الحسن، وقال الكلبي:
كثرة المال والتجارة وشهادة الزور وقطع الأرحام وقلة الكرام وكثرة اللئام، ومنه قول أبي زيد الأسود:
فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا * فقد جعلت أشراط أوله تبدو (فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم) ذكراهم مبتدأ وخبره فأنى لهم: أي أنى لهم التذكر إذا جاءتهم الساعة كقوله - يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى - وإذا جاءتهم اعتراض بين المبتدأ والخبر (فاعلم أنه لا إله إلا الله) أي إذا علمت أن مدار الخير هو التوحيد والطاعة، ومدار الشر هو الشرك والعمل بمعاصي الله فاعلم أنه لا إله غيره ولا رب سواه، والمعنى: أثبت على ذلك واستمر عليه، لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد كان عالما بأنه لا إله إلا الله قبل هذا، وقيل ما علمته استدلالا فاعلمه خبرا يقينا. وقيل المعنى: فاذكر أنه لا إله إلا الله، فعبر عن الذكر