ما أنفقتم) أي اطلبوا مهور نسائكم اللاحقات بالكفار (وليسألوا ما أنفقوا) قال المفسرون: كان من ذهب من المسلمات مرتدة إلى الكفار من أهل العهد يقال للكفار هاتوا مهرها، ويقال للمسلمين إذا جاءت امرأة من الكفار إلى المسلمين وأسلمت ردوا مهرها على زوجها الكافر (ذلكم حكم الله) أي ذلكم المذكور من إرجاع المهور من الجهتين حكم الله، وقوله (يحكم بينكم) في محل نصب على الحال. أو مستأنفة (والله عليم حكيم) أي بليغ العلم لا تخفى عليه خافية بليغ الحكمة في أقواله وأفعاله. قال القرطبي: وكان هذا مخصوصا بذلك الزمان في تلك النازلة خاصة بإجماع المسلمين (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار) لما نزلت الآية المتقدمة قال المسلمون: رضينا بحكم الله وكتبوا إلى المشركين فامتنعوا، فنزل قوله (وإن فاتكم شئ من أزواجكم إلى الكفار) مما دفعتم إليهم من مهور النساء المسلمات، وقيل المعنى: وإن انفلت منكم أحد من نسائكم إلى الكفار بأن ارتدت المسلمة (فعاقبتم) قال الواحدي: قال المفسرون: فعاقبتم فغنمتم. قال الزجاج: تأويله وكانت العقبى لكم: أي كانت الغنيمة لكم حتى غنمتم (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا) من مهر المهاجرة التي تزوجوها ودفعوه إلى الكفار ولا تؤتوه زوجها الكافر. قال قتادة ومجاهد: إنما أمروا أن يعطرا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الفئ والغنيمة، وهذه الآية منسوخة قد انقطع حكمها بعد الفتح. وحاصل معناها أن " من أزواجكم " يجوز أن يتعلق بفاتكم أي من جهة أزواجكم، ويراد بالشئ المهر الذي غرمه الزوج، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة لشئ.
ثم يجوز في شئ أن يراد به المهر، ولكن لا بد على هذا من مضاف محذوف: أي من مهر أزواجكم ليتطابق الموصوف، وصفته، ويجوز أن يراد بشئ النساء: أي نوع وصنف منهن، وهو ظاهر قوله (من أزواجكم) وقوله (فآتوا الذين ذهبت أزواجهم) والمعنى: أنهم يعطون من ذهبت زوجته إلى المشركين فكفرت ولم يرد عليه المشركون مهرها كما حكم الله مثل ذلك المهر الذي أنفقه عليها من الغنيمة (واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) أي احذروا أن تتعرضوا لشئ مما يوجب العقوبة عليكم، فإن الإيمان الذي أنتم متصفون به يوجب على صاحبه ذلك (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) أي قاصدات لمبايعتك على الإسلام، و (على أن لا يشركن بالله شيئا) من الأشياء كائنا ما كان، هذا كان يوم فتح مكة، فإن نساء أهل مكة أتين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبايعنه، فأمره الله أن يأخذ عليهن أن لا يشركن (ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن) وهو ما كانت تفعله الجاهلية من وأد البنات (ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن) أي لا يلحقن بأزواجهن ولدا ليس منهم. قال الفراء: كانت المرأة تلتقط المولود فتقول لزوجها: هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى بين أيديهن وأرجلهن، وذلك أن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها، وليس المراد هنا أنها تنسب ولدها من الزنا إلى زوجها، لأن ذلك قد دخل تحت النهي عن الزنا (ولا يعصينك في معروف) أي في كل أمر هو طاعة لله. قال عطاء: في كل بر وتقوى، وقال المقاتلان: عنى بالمعروف النهي عن النوح، وتمزيق الثياب، وجز الشعر، وشق الجيب، وخمش الوجوه، والدعاء بالويل، وكذا قال قتادة وسعيد بن المسيب ومحمد بن السائب وزيد ابن أسلم، ومعنى القرآن أوسع مما قالوه. قيل ووجه التقييد بالمعروف، مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم لا يأمر إلا به التنبيه على أنه لا يجوز طاعة مخلوق في معصية الخالق (فبايعهن) هذا جواب إذا، والمعنى إذا بايعنك على هذه الأمور فبايعهن، ولم يذكر في بيعتهن الصلاة والزكاة والصيام والحج لوضوح كون هذه الأمور ونحوها من أركان الدين وشعائر الإسلام، وإنما خص الأمور المذكورة لكثرة وقوعها من النساء (واستغفر لهن الله أي اطلب من الله المغفرة لهن بعد هذه المبايعة لهن منك (إن الله غفور رحيم) أي بليغ المغفرة والرحمة لعباده