ووضع نبتيلا مكان تبتلا لرعاية الفواصل. قال الواحدي: والتبتل رفض الدنيا وما فيها والتماس ما عند الله (رب المشرق والمغرب) قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وابن عامر بجر رب على النعت لربك أو البدل منه أو البيان له. وقرأ الباقون برفعه على أنه مبتدأ وخبره (لا إله إلا هو) أو على أنه خبر مبتدإ محذوف: أي هو رب المشرق. وقرأ زيد بن علي بنصبه على المدح. وقرأ الجمهور " المشرق والمغرب " مفردين، وقرأ ابن مسعود وابن عباس " المشارق والمغارب " على الجمع، وقد قدمنا تفسير المشرق والمغرب، والمشرقين والمغربين والمشارق والمغارب (فاتخذه وكيلا) أي إذا عرفت أنه المختص بالربوبية فاتخذه وكيلا: أي قائما بأمورك، وعول عليه في جميعها، وقيل كفيلا بما وعدك من الجزاء والنصر (واصبر على ما يقولون) من الأذى والسب والاستهزاء ولا تجزع من ذلك (واهجرهم هجرا جميلا) أي لا تتعرض لهم ولا تشتغل بمكافأتهم، وقيل الهجر الجميل الذي لا جزع فيه، وهذا كان قبل الأمر بالقتال (وذرني والمكذبين) أي دعني وإياهم ولا تهتم بهم فإني أكفيك أمرهم وأنتقم لك منهم. قيل نزلت في المطعمين يوم بدر، وهم عشرة وقد تقدم ذكرهم. وقال يحيى بن سلام: هم بنو المغيرة.
وقال سعيد بن جبير: أخبرت أنهم اثنا عشر (أولي النعمة) أي أرباب الغنى والسعة والترفه واللذة في الدنيا (ومهلهم قليلا) أي تمهيلا قليلا على أنه نعت لمصدر محذوف، أو زمانا قليلا على أنه صفة لزمان محذوف، والمعنى أمهلهم إلى انقضاء آجالهم، وقيل إلى نزول عقوبة الدنيا بهم كيوم بدر، والأول أولى لقوله (إن لدينا أنكالا) وما بعده فإنه وعيد لهم بعذاب الآخرة، والأنكال جمع نكل وهو القيد، كذا قال الحسن ومجاهد وغيرهما.
وقال الكلبي: الأنكال: الأغلال، والأول أعرف في اللغة، ومنه قول الخنساء:
أتوك فقطعت أنكالهم * وقد كن قبلك لا تقطع * وقال مقاتل: هي أنواع العذاب الشديد. وقال أبو عمران الجوني: هي قيود لا تحل (وجحيما) أي نارا مؤججة (وطعاما ذا غصة) أي لا يسوغ في الحلق بل ينشب فيه، فلا ينزل ولا يخرج. قال مجاهد: هو الزقوم.
وقال الزجاج: هو الضريع كما قال - ليس لهم طعام إلا من ضريع - قال: وهو شوك العوسج. قال عكرمة:
هو شوك يأخذ بالحلق لا يدخل ولا يخرج، والغصة: الشجا في الحلق، وهو ما ينشب فيه من عظم أو غيره، وجمعها غصص (وعذابا أليما) أي ونوعا آخر من العذاب غير ما ذكر (يوم ترجف الأرض والجبال) انتصاب الظرف إما بذرني، أو بالاستقرار المتعلق به لدينا، أو هو صفة لعذاب فيتعلق بمحذوف: أي عذابا واقعا يوم ترجف، أو متعلق بأليما. قرأ الجمهور " ترجف " بفتح التاء وضم الجيم مبنيا للفاعل، وقرأ زيد بن علي على البناء للمفعول، مأخوذ من أرجفها، والمعنى: تتحرك وتضطرب بمن عليها، والرجفة: الزلزلة والرعدة الشديدة (وكانت الجبال كثيبا مهيلا) أي وتكون الجبال، وإنما عبر عنه بالماضي لتحقق وقوعه، والكثيب الرمل المجتمع، والمهيل الذي يمر تحت الأرجل. قال الواحدي: أي رملا سائلا: يقال لكل شئ أرسلته إرسالا من تراب أو طعام أهلته هيلا. قال الضحاك والكلبي: المهيل الذي إذا وطئته بالقدم زل من تحتها، وإذا أخذت أسفله انهال، ومنه قول حسان:
عرفت ديار زينب بالكثيب * كحظ الوحي في الورق القشيب * (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم) الخطاب لأهل مكة أو لكفار العرب أو لجميع الكفار، والرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: يشهد عليكم يوم القيامة بأعمالكم (كما أرسلنا إلى فرعون رسولا) يعني