(لم يكن الذين كفروا) قال: وسماني لك؟ قال نعم، فبكى ". وأخرج أحمد وابن قانع في معجم الصحابة والطبراني وابن مردويه عن أبي حية البدري قال: " لما نزلت (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) إلى آخرها قال جبريل: يا رسول الله إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة، فقال أبى: وقد ذكرت ثم يا رسول الله؟ قال نعم، فبكى ".
سورة لم يكن (1 - 8) المراد ب (الذين كفروا من أهل الكتاب) اليهود والنصارى، (و) المراد ب (المشركين) مشركو العرب، وهم عبدة الأوثان، و (منفكين) خبر كان، يقال فككت الشئ فانفك: أي انفصل، والمعنى: أنهم لم يكونوا مفارقين لكفرهم ولا منتهين عنه (حتى تأتيهم البينة) وقيل الانفكاك بمعنى الانتهاء وبلوغ الغاية: أي لم يكونوا يبلغون نهاية أعمارهم فيموتوا حتى تأتيهم البينة، وقيل منفكين زائلين: أي لم تكن مدتهم لتزول حتى تأتيهم البينة، يقال ما انفك فلان قائما: أي ما زال قائما، وأصل الفك الفتح، ومنه فك الخلخال. وقيل منفكين بارحين: أي لم يكونوا ليبرحوا أو يفارقوا الدنيا حتى تأتيهم البينة. وقال ابن كيسان: المعنى لم يكن أهل الكتاب تاركين صفة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعث، فلما بعث حسدوه وجحدوه، وهو كقوله - فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به - وعلى هذا فيكون قوله (والمشركين) أنهم ما كانوا يسيئون القول في محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى بعث، فإنهم كانوا يسمونه الأمين، فلما بعث عادوه وأساءوا القول فيه. وقيل (منفكين) هالكين، من قولهم: انفك صلبه: أي انفصل فلم يلتئم فيهلك، والمعنى: لم يكونوا معذبين ولا هالكين إلا بعد قيام الحجة عليهم. وقيل إن المشركين هم أمل الكتاب، فيكون وصفا لهم لأنهم قالوا المسيح ابن الله وعزيز ابن الله.
قال الوحدي: ومعنى الآية إخبار الله تعالى عن الكفار أنهم لن ينتهوا عن كفرهم وشركهم بالله حتى أتاهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن، فبين لهم ضلالتهم وجهالتهم ودعاهم إلى الإيمان، وهذا بيان عن النعمة والانقاذ به من الجهل